يؤكد علماء التخطيط وخبراء اقتصاديات نمو المدن، أن معوقات التنمية في العالم تعود أسبابها إلى عاملين مهمين، هما سوء التخطيط والخطأ فيه، والقصور في إبداع الحلول وندرة الأكفاء من مبدعي الحلول والقادرين على إدارة الأزمات بأفكار إبداعية. لا يتوقف الإبداع عند الفكر والفنون ومعطيات إنتاجهما، لأننا نحتاج بشدة لحلول إبداعية لأزماتنا التنموية والاقتصادية والحياتية المختلفة، والقوى الإبداعية لها طاقاتها وإضاءاتها. وللإبداع مظاهره وقوانينه، فالتفكير الإنساني له خصائص، تتفاوت درجاته من إنسان إلى آخر. وحين تهتم الدول بخططها التنموية، فإنها بحاجة إلى قدرات إبداعية في التخطيط. فالبحث مثلا عن مكتسبات في قضية النظام الاقتصادي، والتحكم في ضوابط معادلات الميزانية والاحتياط المالي، يقتضي وجود عقول مبدعة قادرة على إدارة ما نواجهه من أخطاء نتيجة الظروف أو الأزمات الطارئة، وإبداع الحلول السريعة والناجعة، للتضخم والغلاء والفساد، وغيرها من المشكلات المعاصرة. اهتمامنا الشديد بالإبداع في ظل هذه الظروف والأزمات التي يعاني منها المجتمع، يصبح مهما وضروريا لمواجهة المشكلات المتفاقمة، والأوضاع المتأزمة، فللإبداع دوافعه، ولو تأملنا النظرية الشاملة له لما وجدنا ما يشككنا في اعتقادنا الجازم بأهمية الاعتماد على التفكير الإبداعي، خاصة وأن نظرية الإبداع تتجسد في القدرة على إعادة التركيب وابتكار أساليب وفق تصور بعيد المدى لرؤية مستقبلية لما سيحدث وما يتوقع حدوثه. المشكلة الأساسية فيما نواجهه من أزمات سببه، غياب التفكير الإبداعي، حيث إن مجمل الأزمات التي تصادفها المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، سواء المتقدمة منها أو المتأخرة، سببه عدم توفر الحلول الماهرة والذكية التي تتعاطى وتتكيف مع كل الأحوال والأزمنة!. وفي ذلك تتساوى مشكلات الانفجار السكاني، وانهيارات أسواق المال، وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتنافس على مصادر الثروات الطبيعية. مشكلة ازدحام الشوارع، والتكدس السكاني مثلا، سببه قصور في الرؤية المستقبلية والاعتماد على خطط غير طموحة للمدن، ترتكز على الواقع وتؤسس لبنية تحتية متكاملة، تستلهم المستجدات وتأخذ بكل أسباب المتغيرات. فالمدن الكبرى كالرياض، جدة، الدمام، مكةالمكرمة وغيرها، لا يوجد فيها نظام للمواصلات العامة حاليا، سواء ما كان منه تحت الأرض أو فوقها كالمترو والحافلات، للحد من التكاثر المتزايد للسيارات. ووقف هجرة أهل القرى والبوادي للمدن، لأنه لو توفر لهم الخيارات المتعددة لوسائل المواصلات العامة السريعة، تنقلهم من القرى إلى المدن، لتمكنوا من كسب رزقهم والعمل في أوقاته ثم العودة لمساكنهم في قراهم، والسكن لهم فيها أرخص وأوفر من المدن، وبهذا تمكنا نحن من حل أزمتين في آن واحد، تخفيف الكثافة السكانية المتزايدة في المدن وفك اختناقات شوارعها من السيارات، وأرتال الليموزين ووسائل النقل العشوائية التي تزدحم بها الشوارع وتتوقف الحركة المرورية فيها. وتزيد من أزمات شوارعنا المشاريع الكبيرة المتعثرة والمتباطأ في تنفيذها والانتهاء منها في وقتها.