تسعى دارة الملك عبدالعزيز إلى إخراج إصدارتها من إطار التخصص المحض إلى اللغة العلمية المدعمة بهوامش شارحة تعكس شدة تمسك الكتاب بمادة صلدة، إلى كتب تقترب أكثر من القراء بأنواعهم دون أن تفقد تلك الجدية المطلوبة في الإنتاج البحثي ومجال الدراسات السمتة في محاولة جادة ومدروسة منها ليصبح التاريخ الوطني بصفة خاصة والمادة التاريخية بصفة عامة دانية للجميع ومستساغة للباحثين عن المعلومات التاريخية بمختلف مشاربهم في ظل تراكم المطالبات بإضافة عناصر الدهشة والتشويق في تقديم المواد التاريخية للمجتمع . وهذه المحاولة مستمدة من رؤية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز الذي لقيت الدارة في عهده انفتاحاً على جميع الأفكار وشراكة مع كل المهتمين بتاريخ البلاد سواء من الأفراد أو المؤسسات أو الجهات الحكومية وباتت ساحة تصب منها أعمالاً ونشاطات جذبت كثيراً حتى من غير التاريخيين وكذا تصب فيها جهود علمية متنوعة ومن كل مناطق المملكة العربية السعودية بفضل إستراتيجيتها الجديدة بإنشاء فروع لها في أنحاء الوطن. وأصبحت لغة الكتاب لدى الدارة سهلة تسلمه للقارئ بطواعية وممتلئة بالمحسنات البديعية التي تختفي خلفها معلومات ثرية ، فحجم المعلومات ومصداقيتها لم تتغير، بل قدمت بشكل يستحوذ على الانتباه ويعتمد على القبض على رغبة القراءة بكماشتي الأسلوب والمعلومة، ووصلت إلى هذه القدرة بفعل اختيارها لموضوعات الكتب وأفكارها ، فبعيداً عن تاريخ المكان المحدود والقبيلة المعينة والشخصية الواحدة خرجت لفضاءات الشمولية وبثت في كتبها نفَس الموسوعية بقدر الإمكان ، مع بذل الدوافع لتحفيز أفكار تعتنق الجدة والإبداع وتبحث عن تلك التفاصيل الدقيقة في ثنايا الحدث والمكان والشخصية والأثر التاريخي. واعتمدت دارة الملك عبدالعزيز في إصداراتها على أسلوب النقل التام لمدونات تاريخية مثل تقارير إدارية أو عروض شرحية لنشاطات مختلفة لا تقتصر على المرمى السياسي وتنقل حتى لغة ذلك التاريخ في كتابة التقارير والتجهيزات الإدارية للخطاب والتقرير والإحصاء، كما أولت الاهتمام بالرسائل الأكاديمية لطلاب الماجستير والدكتوراه ذات التفوق فطبعتها للمتخصصين وعلية القراء من المتمرسين على القراءات التاريخية محافظة على تقاليدها الأكاديمية ومنهجها البحثي. فمثلاً، في إصدار الدارة “المرأة في نجد وضعها ودورها” للدكتورة دلال بنت مخلد الحربي الفائز بجائزة وزارة الثقافة والإعلام المتزامنة مع معرض الكتاب الدولي العام الماضي نجد باحثة متمرسة تعرف كيف تمسك بخيوط البحث فلا تنفلت أو تتفرع إلى مواضع دراسية هشة ما نتج عنه كتاب جاد في كينونة المرأة وأعمالها ومهامها الاقتصادية والاجتماعية في البادية والحاضرة قبل أكثر من قرنين؛ فالجدية في سبر تاريخ جذور المرأة في وسط الجزيرة العربية قبل مائتي سنة خلق فرصة المقارنة في ذهن القارئ، فالإصدار يحوي قصة كبيرة حولها قصص صغيرة وجانبية مكتظة بالدهشة يمكن تجاذبها كشواهد في نواح أخرى قد تكون بينها وبين موضوع الإصدار وهو: المرأة؛ مسافات وفواصل، لكن كما يقال الكتاب أي كتاب لم يعد واحداً بل هو كتب عدة بعدد قرائه ، فلكل قارئ قراءته الخاصة. في المقابل كتاب آخر فاز في العام نفسه وبالجائزة نفسها، هو الإصدار “مدونة النقوش النبطية في المملكة العربية السعودية” للدكتور سليمان بن عبدالرحمن الذيب هو كتاب تدويني توثيقي ضم 967 نقشاً نبطياً بالوصف والصورة الفوتوغرافية، لا يجد فيه غير المهتم بالآثار والنقوش والرسوم الصخرية مجالاً للمتعة و إن كان فيه معلومات تفصح عن شيء في علم النقوش الغامض، أي أن الدارة وبفضل حرصها على قياس اتجاهات القراءة في المجتمع السعودي جمعت بين الكتب المتخصصة والكتب التي تمتلك الأسلوب وروح القصة لإرضاء أذواق القراء المختلفين، وهو يدلل عليه الإقبال الشديد على جناح دارة الملك عبدالعزيز في معرض الرياض الدولي للكتاب. الرياض | واس