لا يخلو أي مجتمعٍ من الفساد والفاسدين؛ وسنة الله في الأرض أن يتجاور الخير والشر، ولا وجود للمجتمع المثالي (الفاضل)، إلا في خيالات الفلاسفة، وأحلام البسطاء، لكنّ المجتمعات (الصالحة) تحرص على أن يكون الفساد في أدنى معدلاته، بمحاربة (ثقافته)، ومعالجة (مسبباته)، مع السعي الجاد لمحاولة القضاء على (بيئته) التي لا يعيش إلا في كنفها؛ ليصبح هو الشذوذ عن قاعدة الصلاح والخير. في مشهدنا الوطني -وبكل صدق- لم أستغرب تراجعنا (تسعة مراكز) في مؤشر مكافحة الفساد عالمياً، فمنذ إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؛ وهيئتنا الموقرة تدور في منطقة الوعظ والإرشاد، وتصرف أغلب الجهد في التنظير والشكليات، وتتركز أكثر (إنجازاتها) في الإشارة إلى بعض أشكال الفساد وصوره، مع أن الجميع يرى الفساد (بأم عينيه وأبيهما)؛ فقد بلغ من (بجاحته وسوء أدبه) أن يمشي (عارياً) بلا خوفٍ ولا حياء..! كذلك فإنّ اللغة (الناعمة) التي لا تزال تستخدمها (نزاهة)، لا تتناسب أبداً مع طبيعة أهل الفساد؛ الذين لا يفهمون إلا لغة (الحزم)، ولا يرتدعون إلا (بقوة) النظام، ولا يخافون إلا من (صرامة) القانون، فعلى الهيئة أن تزيد قليلاً من (خشونة) كلماتها، وألا تخشى على (مشاعر) الفاسدين من الجرح والأذى، فمن مات ضميره، وباع ذمته، فقد تبلدت مشاعره وأحاسيسه..! ختاماً؛ نتمنى من (نزاهة) تحديد الآليات، واستثمار الإمكانات، واستغلال الصلاحيات المتاحة لها، وتحديد الأنظمة والقوانين، ثم تطبيقها على جميع الفاسدين (بلا استثناء)، قبل أن تضطر (لمصافحة) الفساد بدلاً عن مكافحته!