لماذا نقرأ ما نقرأ ثم يظل المكتوب سواداً في الأوراق؟ لا يكسر حاجز حيزه، لا يعلق في قلب القارئ، أو يخطفه خطف «النداهة» فيتوهُ يتوهُ بعالمه، كالثورات العربية إذ تتلو أحياناً آيات الحق وأحياناً آيات الشيطان؟ النص الشعري العربي الآن قصاصات من عبث (سِلْمِيٍّ) لا يصنع فوضى الخلاقين، ولا يفتح باب المعتقلات. يتصالح ودماء الأحرار تراق هنا وهناك، يتقيد ببياض الصفحة كالميت! كيف يكون الشعر قتيلاً في كفن لا يسمح حتى بدماء تتسرب عفواً، أو يتشرب أنفاس المشائين إلى ساحة مثواه؟ يا الله...! قال أمل دنقل: «ترى حين أفقأ عينيك ثم أثبّت جوهرتين مكانهما.. هل ترى؟». وأبشره الآن أنا نرى بالجواهر أو بالدراهم أو بالكراسي، فلا نكتب الآن إلّا على ضوء جاهٍ، وليلى هي الآن جارية والجواري يُجِدنَ ارتداء المديح لمن يجعل الشعب تفاحة ونبيذْ. أبشره الآن أن القصيدة لا تكتب الآن أحلام شعب، ولا تحمل السيف في وجه طاغية، بل تنافق حيناً وتصمت حيناً، وحيناً تفتش في ذات صاحبها عن تجارب لا ترتقي للمثال. أبشره أن ثوراتنا أنضجت للربيع دماء، ولكنْ قصائدُنا أوغلت في الخريف، فيبّس أغصانَها الفارعات، و(قصقص) أوراقها الحالمات، وصارت كوعد قياداتنا: كلاماً كلاماً كلاماً.. كلامْ! إذاً، فسلاماً على الشعر إن (بَشْتَتَ) الشعراء قصائدهم، وارتووا من معين السلاطين، أو عَمِيِتْ أعين الكلمات عن الفقر والذل والقمع والعنصرية! سلاماً على الشعر إن هام في عالم الذات خوفاً، وإن فصّل القولَ فوق السرير انحرافاً وطمعاً! وإن لم يزلزل بالكلمات قلوبَ الذين انتشوا بالدماء، لتذهب أحلام كل الشعوب هباء .. هباءْ!