يشكل الموروث الديني تراكماً مدلولياً وتاريخياً يكتسب مشروعيته من كونه أنموذجاً معرفياً يهتمّ بتنوير العقل ويزيح عنه أزمات حياتية كثيرة. بل أصبح هذا الموروث مؤثراً على ثقافة الآخر وهيكلة تفكيره. ويؤرِّخ لطبيعية علاقته مع الأجناس والطوائف الأخرى. لست مبالغاً حينما أقول إن الموروث الديني ثروة أنموذجية حقيقية متى ما تمّ تطبيقها بعيداً عن إفرازات القبح وإسقاطات الكراهية وإقصاء الآخر والتي يكنُّها بعض الوعاظ والخطباء الذين يحيكون مصير أمة بكاملها عبر سلطة المنبر الوعظي، متخذين بهذه السلطة مطبخاً تُؤدلَج من خلاله أفكارٌ لا تُمثِّل في طابعها العام قيمة ناضجة أو هوية محددة. المنبر الوعظي يحتاج إلى تذهين العقلية التي تؤسس لخطابه، بحيث ترصد ثقافة الوعي لدى الآخرين لا سلطة الخوف التي تُسلّع -إن صح التعبير- فكر المرحلة التالية والتي غالباً ما تقولب مفاهيمها بشكل أيدلوجي، قد تتأزَّم من خلالها مفاهيم أخرى في الثقافة والفكر والسياسة. وهذه قد تكون مرحلة خطيرة إذا لم يتم إيقافها. مرحلة تتشكل بحسب انتماء الآخر لسلطة المنبر، وهذا الانتماء قد يكون بدائياً رجعياً يُبنى على ثقافة متأزِّمة تُعاني من رهاب العلاقة مع الآخر. إن تأسيس خطاب منبري يتوافق مع القوانين الموضوعة بحيث لا تتبنَّى فكراً قبائلياً أو طائفياً أو فئوياً هي ما تسعى إليه الأنظمة الحاكمة والأنظمة الدينية. ففي ذلك تذويب لكل الصراعات وتأصيل لشمولية المثاقفة بين جميع التيارات ومن هنا تأتي الصيغة الموروثية الدينية لثقافة المنبر حينما تتنمذج بالمصداقية والاحتواء لا بالتمرّد والتصعيد.