لا شك أنك مرهق، حائر منذهل مشتت الفكر والرؤى، ماعادت أعصابك تحتمل تلك البشاعة والشناعة، ما عادت عيناك تحتملان مشاهد الدم والذبح والحرق، أذناك لاتستطيعان الاستماع لمزيد من الدجل والأكاذيب والكراهية التي تبث في كل مكان. هذا كثير عليك، كثير جدّاً.. أحداث كهذه تضغط على قيمة الإنسان في داخلك، تهشم صورة الحياة التي تتصورها والتي تناضل كل يوم للعيش من أجلها. ثمة خطأ كبير فيما يحدث حولك، إن الله لم يخلق هذا الكون البديع ليحتله الظلام والفساد والعفن!. لكن ولحسن الحظ، وكما أن ذلك القبح موجود لحكمة يعلمها الله، فهناك أيضاً وسط الظلام مسارب للنور والحب والجمال. تتجلى حولك في أشد لحظات يأسك كي تذكرك بأن هذه ليست سوى مرحلة عابرة في بداية الطريق، وأن دربك -على ما يبديه من وعورة ظاهرة- هو في حقيقته محفوف بالجمال والضياء والكثير من الحب. أحد تلك الأنهار النورانية العذبة التي تروي عطشك للحياة التي تحب هو ما يكتبه الدكتور أيمن الجندي في عموده اليومي في جريدة المصري اليوم تحت عنوان: «الكثير من الحب». ستشعر وأنت تقرأ يوميات «الكثير من الحب» أنك لاتقرأ لكاتب يعيش على الأرض، ويخوض في نقاشاتها التافهة بل ستتخيل للحظة أنه يطل على كوكبنا من شرفة عالية في فضاء الكون؛ حيث السكون الأبدي والكواكب التي تسبح والنجوم التي تحترق في رحلة تبلغ ملايين السنين، ستشتكي له من غلاء الأسعار وفساد الساسة، وتردي الأخلاق؛ فيبتسم في وجهك ويحكي لك قصة الخلق واستدارة الكواكب، وبديع صنع الله وتقديره، وأن كل شيء عنده بمقدار. سيذكرك في غمرة سخطك وانشغالك بمكامن الجمال في داخلك، بمنافذ القوة الخفية التي لاتراها؛ سيسترجع معك بأسلوب حميم أسئلتك المدهشة التي رددتها كثيراً وأنت طفل ولم تجد لها إجابة حتى الآن. سكتشف بعد رحلة قصيرة بين سطوره أن الحياة ليست سيئة إلى هذا الحد، وأن هناك بالفعل أشياء تستحق أن تعاش وأن هذا الكوكب الذي يتوسط الأكوان التي خلقها الله بالحب التي تُسبِّحُه في يقين ومحبة ورضى لابد أن يعود إلى رشده يوماً وينضم إلى أنشودة العشق. أيمن الجندي كاتب وطبيب وفيلسوف عاشق، تشتم في عبير كلماته رائحة تصوف أحمد بهجت وتستشعر حرارة يوسف إدريس وسلاسة وتدفق مصطفى محمود. يصنف القراء ما يكتبه -تجاوزاً- بالمقالات لكنه في الحقيقة مزيج خاص من القصة والشعر والفلسفة في قالب مغر وبسيط لا يعرف سره إلا هو. جمع شيئاً من تلك المقالات البديعة في كتاب يحمل ذات العنوان «الكثير من الحب» تجد فيه تنوعاً خصباً في مجالات شتى يجمع بينها خيط بديع من التجلي والروحانية والتسامح مع العالم، يتحدث فيه عن القضايا الكبرى ونشأة الكون وحب الله والأم والنساء وشجون الذكريات وحكايات الطفولة وأيام المراهقة، وشادية وصباح والعشق والزواج والكبر والعجز والموت والآخرة بذات الحميمية والبساطة، كأنه يخبرك أنه لاتناقض هناك بين كل تلك القصص، وأنها مجرد سطور صغيرة في كتاب الحياة الواسع الذي نعيش جزءاً من فصوله في غرور الخالدين قبل أن نغادره عما قريب.