أعتقد أن كلاً منا في روحه ندبة مؤلمة بعد حادثة المبتعث عبدالله القاضي، فاجعة أليمة هزت المجتمع المحلي وأبكته، لاسيما أنه قد سبقها حالة ترقب وانتظار ودعوات ملحة وصلوات حرى، ومزاج ترقب جمعي أججته الأوساط الطلابية للمبتعثين عبر وسائل التواصل، طوال الوقت نتأمل وجه عبدالله مشرقاً بالأمل والنبوغ، وملامحه الوسيمة تجد فيها كل أمّ مبتعث بعضاً من تفاصيل أبنائها، وهم يدسون حزمة الأمل في حقائبهم ويذهبون لقسوة الغربة. ولا ننسى في هذا المقام أنه قبل عبدالله، رحلت ناهد ضحية العنصرية البشعة التي لا تتقن سوى لغة الدماء والوحشية، رحم الله الفقيدين وأسكنهما فسيح جنانه. تداعى إلى ذاكرتي هنا حكاية استجلبتها لأشير أنه مع رحمة الله وتثبيته، فإنه من الممكن تحويل حرارة الحزن إلى طاقات أمل، تعطي معنى لقسوة الفقد الذي اختطف شابين نضرين في ريعان الشباب. تعتبر جامعة ستانفورد العريقة من أهم جامعات العالم وقصة تأسيسها تستحق التوقف عندها في هذه المناسبة، فهي تحكي كيف جيرت عائلة آل ستانفورد حزنها الكبير على ابنها لتأسيس الجامعة عام 1884، فقد كان لهما ابن درس في "هارفارد" لمدة عام لكنه توفي في حادث، وبما أنه كان سعيداً" خلال الفترة التي قضاها في هذه الجامعة العريقة، فقد قررا تقديم تبرع للجامعة ببناء مبنى لتخليد اسم ابنهما، ولكن رئيس جامعة هارفرد رفض ذلك، عندها غادر الزوجان "ليلند ستانفورد وجين ستانفورد"إلى كاليفورنيا حيث أسسا جامعة ستانفورد والتي ما زالت تحمل اسم العائلة وتخلد ذكرى ابنهما ليس هذا فقط بل أصبحت من ضمن أهم 10 جامعات في العالم ورمزا لمواجهة قسوة الفناء بترياق الأمل. بالطبع هذا النوع من الطلب يبدو مبكراً على طبيعة حزن الدائرة القريبة من عبدالله وناهد، ولكن مجتمع الأصدقاء والزملاء ومجتمع المبتعثين ككل ومن الممكن أن تحور طاقات الحزن السلبية التي أعقبت رحيل عبدالله إلى إيجابية تستثمر قوة المعرفة ووسائل التواصل في تكوين بنك للمعلومات وفي طرح العديد من الأفكار والتجارب والخبرات التي من الممكن أن تحمي وتنبه وتجد الحلول أيضاً للمشاكل التي تصادفهم، مهما كانت تلك الأفكار بسيطة ومحدودة وهامشية فإنها قد تنفع في يوم ما، ولاسيما في المدن الكبرى الخطرة على المستوى الأمني. وإن كنا نسخر دوماً من اليابانيين والشرق آسيويين الذين لا يتحركون إلا ضمن جماعات في المواقع السياحية والمدن الكبرى، ولكن على مستوى معين نجد أن حذر وذكاء وحصافة الآسيويين تحميهم دائماً. عندما يتم تداول مئات التفاصيل والمعلومات في حملة دائمة ومستمرة تجير لروح الفقيدين من الممكن أن تحول الفاجعة إلى طاقات أمل وإصرار وعزيمة على الاستمرار في مشروعنا الوطني العظيم للابتعاث. فعلى سبيل المثال استطاع شاب موهوب/ علاء المكتوم، أن يحول الحزن والفجيعة على ضحايا حوادث المرور إلى فيلم توعوي رائع هذا رابطه https://www.youtube.com/watch?v=hlUplHf3OoA&list=PL65A0E08E0BF65A3E الأفكار كثيرة والأهم أن نواجه هجمة الحزن بمزيد من الأمل سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيدين بواسع رحمته وأن يسكنهما فسيح جنانه وأن يلهم أهلهما الصبر والسلوان....وإنا لله وإنا إليه راجعون.