"التخصصي" يستعرض ريادته في التقنية الحيوية بمؤتمر Bio الدولي    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على تباين    أمطار وزخات برد على جازان وعسير وتحذيرات من الغبار بالشرقية والرياض    كأس العالم للأندية: بايرن ميونخ يتأهل لدور ال 16 بفوزه على بوكا جونيورز    الأنيميا المنجلية.. ألم يولد مع الإنسان ومسؤولية العالم تتجدد    ختام مثير لمنافسات اليوم الثاني من بطولة حائل للدرفت لفئة شبه المحترفين    فلسطين ترحب برسالة تسع دول أوروبية بشأن تنفيذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    رسمياً .. عمر السومة ينضم للوداد المغربي    بنفيكا يقسو على أوكلاند سيتي بسداسية في كأس العالم للأندية 2025    فلامنغو يتغلب على تشيلسي بثلاثية في مونديال كأس العالم للأندية    ترامب: مديرة المخابرات جابارد مخطئة بشأن برنامج إيران النووي    تركي آل الشيخ: المملكة أصبحت قوة كبرى في عالم الملاكمة... ونزال كانيلو وكروفورد هو الأضخم في العقد الأخير    عون : لبنان سيبقى واحة للسلام وينبض بالحياة ولا أحد يريد الحرب    ليفربول يُعلن عن ثالث أعلى صفقة في تاريخ كرة القدم    المنهاج التعليمية تتفاعل مع قصة الطفلة زارعة الكبد اليمنية ديانا عبدالله    وفد منظومة الطيران المدني يزور مصنع «إيرباص»    الأهلي المصري يعلن جاهزية كوكا لمواجهة بورتو في «مونديال الأندية»    أرامكو السعودية تدشن المركز الإقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية في جزيرة أبوعلي    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ضمن أفضل 100 جامعة عالميًا    ضبط مصريين و6 مواطنين في تبوك لترويجهم مواد مخدرة    جثمان الشاعر موسى محرق يصل اليوم والصلاة عليه غدًا    خطيب المسجد النبوي: التفكر في تعاقب الأيام سبيل للفلاح وميزان للربح والخسران    خطيب الحرم: محاسبة النفس دليل على كمال العقل وسبيل للفلاح    مدير تعليم جازان يكرم "افتراضيًا" الطلبة المتفوقين دراسيًا والمتميزين في الأنشطة المدرسية    هبوط خام برنت    أمانة تبوك تنهي المرحلة الأولى من تطوير طريق الملك فيصل    أمير المنطقة الشرقية يؤدي صلاة الميت على والدة سعود العطيشان    تغير خطط سفر السعوديين أزمات العالم    الكونجرس : تحديث أسلحة أمريكا النووية الأكثر تكلفة في التاريخ    خدمة الحجيج.. ثقافة وطن وهوية شعب    هل ستدافع عن موظفيك؟    1200 كائن فطريّ في الطبيعة    مشاعر الحج    تجريد المساحة وإعادة تركيب الذاكرة البصرية    عشرة آلاف خطوة تقي من السرطان    زرع مثانة في سابقة عالمية    أمانة تبوك تنهي المرحلة الأولى من تطوير طريق الملك فيصل    أمير منطقة جازان يتفقد مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة جزر فرسان    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    الولايات المتحدة تقرر فحص حسابات التواصل الاجتماعي لجميع المتقدمين للحصول على تأشيرة طالب    وكيل وزارة الحج والعمرة يدشّن جائزة "إكرام للتميّز" لتحفيز مراكز الضيافة خلال موسم حج 1446ه    شاشات تفاعلية ذكية في المسجد النبوي تُقدّم محتوى توعويًا وإرشاديًا ب23 لغة عالمية    الهلال الأحمر وتجمع نجران الصحي "بمنطقة نجران يدشّنان حملة للتبرّع بالدم    جامعة الملك فيصل ضمن" التصنيف العالمي"    " مركز الدرعية" يطلق برنامج تقنيات السرد البصري    حققت حلمها بعد 38 عاما.. إلهام أبو طالب تفتتح معرضها الشخصي    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    الإطاحة بمروجي مادة الأفيون المخدر في تبوك    عريجة يزف نجله محمد    وزارة الصناعة تشارك في معرض باريس.. السعودية تستعرض فرص الاستثمار في صناعة الطيران    لن نستسلم وسنعاقب تل أبيب.. خامنئي: أي هجوم أمريكي عواقبه لا يمكن إصلاحها    دعوات لتسريع تطبيق حل الدولتين.. إدانة دولية متصاعدة لانتهاكات الاحتلال في غزة    دول «التعاون»: اعتداءات تل أبيب «انتهاك صارخ».. روسيا تحذر أمريكا من دعم إسرائيل    2.7 مليار تمويلات زراعية    يوليو المقبل.. إلزام المنشآت الغذائية بالكشف عن مكونات الوجبات    ميكروبات المطاعم تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية    أمير الرياض يوجه بتسمية إحدى حدائق العاصمة باسم "عبدالله النعيم"    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الحريصي في منزله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الروايات المرشحة لجائزة "البوكر"
نشر في الرياض يوم 19 - 04 - 2014

فرانكشتاين في بغداد: «تناص سينمائي» لرواية تُبعث من أشلاء العراق
بكل ثقة، يمكن وصف رواية (فرانكشتاين في بغداد) بأنها رواية تحبس الأنفاس. العمل الذي يقع في (350) صفحة من القطع الكبير، لا يشعر معه المتلقي بالملل أو الحشو كما هي عادة الكثير من الروايات. ففي الكتاب الذي أنجزه الروائي العراقي أحمد سعداوي بين 2008 و2012؛ نجد عمارة سردية محكمة لعمل روائي يستلهم شخصية (فرانكشتاين) الشهيرة من السينما، ليعيد إنتاجها روائياً، انطلاقاً من الحدث الدموي العراقي، وتحديداً في ذروة صعوده عام (2005م)؛ في "تناصٍٍ" بصري، سينمائي مع شخصية (فرانكشتاين) المتوحشة والتي ظهرت مراراً في السينما العالمية. وإذا كان "التناص" حسب جوليا كرستيفا مصطلحا يعبر عن أن كل نص هو امتصاص أو تحويل لنص آخر أو وفق جيرار جينيت بأن النص يقيم مع سائر النصوص علاقات ظاهرة ومستترة؛ فإن (فرانكشتاين في بغداد) كنص، تشيد بناؤها من العلاقة لا مع نص مكتوب وإنما شخصية بصرية سينمائية، وإن كانت مستلهمة من الرواية؛ إلا أن شهرتها المعاصرة، تعود قبل كل شيء للأدوار التي ظهر في السينما ومن بين من قام بتجسيدها النجم الهوليودي روبرتو دينيرو، بشخصية فرانكشتاين في العام (1994م) و المستلهم في الأصل من رواية لماري شيلي كتبتها عام (1818م) عن شخصية طالب علوم موهوب يكتشف طريقة لبعث الحياة في الجسد، لتنتج بحوثه المخبرية عن صناعة مسخ إنسان، يفقد السيطرة عليه ليتحول إلى وحش يقتل الآخرين. رواية ماري شيلي كانت دخلت السينما الصامتة أول مره عام (1911م) في أمريكا. المفارقة أن هذا العام يشهد أيضاً إنتاج هوليود لفيلم حول شخصية فرانكشتاين؛ إلا أن في الغالب ما يجمع كل هذه الشخصيات ليس فقط الكائن البشع الذي يعاد صنعه ليتحول وحشاً مخيفاً، بل أيضاً، وجود تلك الشخصية العلمية التي تصنع ذلك المسخ والذي ترمز دوماً لقوة العقل العلمي للإنسان الحديث، كما سنجد أيضاً شخصية مشابهة لشخصية الطالب الذكي أو الطبيب في الفيلم الألماني الصامت (كابينة الدكتور كاليغاري) والذي أنتج عام (1919م) وأيضا بدرجة في الفيلم الألماني الآخر (ميتروبوليس) المنتج عام (1927م) حيث العلم يعيد خلق الروح والتحكم بالإنسان؛ كما في جل هذه الأعمال الأدبية والسينمائية الأوروبية، فالعلم هو الدافع والقوة الخارقة للخلق؛ إلا أن أحمد السعداوي في روايته "البوكرية"، يتوحد مع جنون المذبح العراقي، ليترك مهمة خلق فرانكشتاينه، بيد شخصية مسحوقة من القاع العراقي، انه هادي العتاك؛ بائع أغراض مستعملة، يسكن "الخرابة اليهودية" في الزقاق (7) بحي البتاويين وسط بغداد؛ حيث يقوم هادي بجمع بقايا جثث ضحايا التفجيرات الإرهابية التي وقعت في شتاء العام (2005م) ثم يلصق هذه الأجزاء لينتج كائناً بشرياً قبيحاً ومخيفاً، يطلقونه عليه (الشسمه) لعدم معرفة اسمه. سرعان ما يقوم هذا الكائن بالانتقام من المجرمين والإرهابيين الذين قتلوا الأبرياء؛ الذين يتكون منهم جسده. تبدأ الرواية ليس باستعراض وصفي للزقاق الذي يسكنه، هادي وجيرانه في الزقاق (7)، بل بتقرير سري عن دائرة لمتابعة وتعقيب سرية ترتبط جزئياً بالإدارة المدينة لقوات الائتلاف الدولي في العراق، كانت توظف مجموعة من المنجمين والسحرة وقارئي الطالع لوضع توقعات للحوادث والانفجارات التي ستصيب مدينة بغداد ومحيطها، وسيكون عمل هذه الدائرة في ما بعد، الكشف عن شخصية "فرانكشتاين البغدادي" الحقيقية؛ بعد أن انفلت من أن يكون واحدة من حكايات هادي العتاك (الكلاوجي) في مقهى عزيز المصري، إلى شخصية خطرة، مطاردة من قبل دائرة المتابعة والتعقيب وغيرها.
وبنباهة وحرفية، يلتقط أحمد سعداوي حدث التفجيرات الإرهابية شبه اليومية في بغداد، محللاً الحدث الذي عادة ما يكون عابراً، إلى أجزاء، تفصيلية، متحركاً برشاقة بين صور مشاهده، بما يخدم حبكته الروائية المتماسكة، هذا التماسك الذي يظهر جلياً من خلال ترابط الأحداث، التي تتكشف تباعاً، بطريقة سرد قريبة من الفلاش باك السينمائي ولكن من زوايا متعددة للشخصيات التي قوم قصصهم ببناء معمار الرواية لتكتمل وتعود إلى البداية وتنتهي في نهاية مفتوحة. صحيحٌ أن الفانتازيا الأسطورية، تعتبر جزءاً أصيلاً في رواية (فرانكشتاين في بغداد)، وأساسٌ مقومٌ له، غير أنها فنتازيا محلية عراقية، تكتسب قوة إقناعها من مخيلة أحمد سعداوي ومن تماهيها مع الواقع الدموي، حيث الجنون قابل للتصديق، فكيف بالخيال الجامع المدجج بالمنطقية والإقناع. من هنا يعود حسيب محمد جعفر الذي قتل في تفجيرٍ عربة يقودها انتحاري أمام الفندق الذي يعمل حارساً فيه؛ يرجع ليرى مشهد موته الفاجع، وكذلك مع السحرة والمتنبئين وبالتأكيد "فرانكشتين" نفسه، المصنوع من أشلاء الموتى، والذي لا يعبر فقط عن رغبة الانتقام وحسب وإنما تكشف شخصيته أيضاً عن الصراع الداخلي فيها، فالأشلاء التي جمعت منها أو رممت فيما بعد، ليست بالضرورة كلها لأبرياء، قد تكون لمجرمين، من هنا يمتزج الخير مع الشر، وتبدأ الرغبات الشريرة بالتحكم ب" الشسمه" الذي يقوم بارتكاب جرائم، تخالف هدفه الأول وهو الانتقام من الانتحاريين ومن يقودهم، في ترميز "مانوي" بدرجة ما، لثانوية الظلام والنور داخل الإنسان نفسه. الشخوص في رواية (فرانكشاين في بغداد) تكتسب جاذبية أخرى في الرواية، من لبس السحرة إلى هادي العتاك والمعروف بحكاياته الخرافية في المقهى، تلك الحكايات التي ستنقلب عليه، لاحقاً، كذلك شخصية الصحفي الشاب محمود السوادي القادم من مدينة العمارة، ليعمل في مجلة الحقيقية، والذي يتكفل بالبحث في قصة (فرانكشتاين/ الشسمة) بعد أن يتقرب من هادي العتاك، ويكشف سر الكائن الأسطوري، لينشر مقالاً، فضل رئيس تحرير مجلته (علي ماهر السعيدي) أن يغير عنوانه إلى آخر أكثر جاذبية وهو(فرانكشتاين في بغداد) بجوار صورة لبوستر فيلم روبيرتو دينيرو (فرانكشتاين)؛ الأمر الذي خلف ضجة في دائرة المتابعة والتحقيق المقربة من رئيس التحرير. البوليسية والرهاب الأمني في الرواية، جزء مهم ومحرك للأحداث من خلال الخوف الدائم من المفخخات والانتحاريين التي ستنتقل بلا شك إلى المتلقي وأيضا ملاحقة "الشسمه" اللاهث وراء الاقتصاص من المجرمين، إلى جوار كل ذلك، ثمة منسوب كبير من التشويق والحبكات الدرامية، كما في علاقة سكان الزقاق رقم (7) ببعض، من السيدة ايليشوا أم دانيال التي تنتظر عودة ابنها بعد عشرين عاماً من فقده في الحرب العراقية الإيرانية، بسبب وشاية فرج الدلال الحالم بالسيطرة على البيوت والأبنية القديمة في حي البتاويين مروراً بشخصيات وحكايات ثانية أجاد أحمد السعداوي عرضها بتكنيك روائي متقن تحكم فيه المؤلف، بكامل عناصره الروائية، وفي الوقت والمكان الذي يخفي أو يكشف فيه عن لعبته السردية. أخيراً يمكن القوم أن هذا العمل الروائي، المرشح ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر، هو مرشح هام للفوز، وهو امتداد أدبي وروائي للتطور الذي وصلته الرواية العراقية مع الجيل الجديد من علي بدر إلى بتول الخضيري وهو الجيل الذي أعاد رسم هوية فنية مغايرة للرواية العراقية ومتقدمة في تقنيات السرد والقص، ضمن الأدبيات الروائية العربية الحديثة، و(فرانكشتاين في بغداد) بلاشك ستكون واحدة من الأعمال التي ستبقى في الذاكرة، وربما تتمكن السينما، أو حتى الدراما التلفزيونية، أن تستثمر هذا العمل، لأنه كتب ليس فقط ليُقرأ بل أيضاً ليُرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.