مجموعة التنسيق العربية (ACG) تتعهد بتقديم تمويل إنمائي بقيمة ملياري دولار    «الأرصاد»: رياح محملة بالغبار على عدة مناطق بالمملكة حتى نهاية الأسبوع    الطاقة الذرية: إصابة مباشرة لمحطة تحت الأرض في منشأة نطنز الإيرانية    60 مقاتلة إسرائيلية تستهدف 12 موقعا في العمق الإيراني    مباحثات سعودية فرنسية حول المستجدات الإقليمية    6.9 مليارات لمشاريع جازان وتوجيه بتسريع الإنجاز    تدشين بوابة خدماتي العدلية    فعاليات ثقافية في فرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بجامعة بكين    أمير الشمالية يدشّن جمعية الابتكار والإبداع    المملكة تدعو إلى وقف الانتهاكات الإسرائيلية في المنطقة    العوامية الخيرية تدشّن هويتها البصرية الجديدة    أمير القصيم ونائبه يستقبلان المهنئين بالعيد    تعلم بالمدينة المنورة يكرم الفائزين بجائزة موضي    بطولة حائل للدرفت 2025 تنطلق الخميس    الطاقة الدولية: الطلب العالمي على النفط سيواصل الارتفاع حتى نهاية هذا العقد    رئيس الاتحاد الآسيوي: نثق في قدرة ممثلي القارة على تقديم أداء مميز في كأس العالم للأندية    من رود الشعر الشعبي في جازان: محمد صالح بن محمد بن عثمان القوزي    ميلان مهتم بالتعاقد مع تشاكا    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 10713 نقطة    مرصد "التعاون الإسلامي": 508 شهداء فلسطينيين خلال أسبوع    نجاح المبادرة التطوعية لجمعية تكامل الصحية وأضواء الخير في خدمة حجاج بيت الله الحرام    أمير القصيم يترأس اجتماع مجلس أمناء صندوق القصيم الوقفي    نائب أمير القصيم يستقبل أمين القصيم و مدير فرع هيئة التراث    انعقاد المؤتمر العالمي ال75 للاتحاد الدولي للعقار في نيجيريا بمشاركة سعودية ورعاية من "عين الرياض"    ترمب يريد تخلي إيران تماما عن الأسلحة النووية    أمير الشرقية يستقبل سفير جمهورية الفلبين لدى المملكة    محافظ عفيف يترأس اجتماع اللجنة الفرعية للدفاع المدني بالمحافظة    أمانة منطقة تبوك تصدر أكثر من 1400 قرار مساحي    مركز صحي مدينة الحجاج ببريدة يخدم أكثر من 500 مستفيد في موسم الحج    "مسار الإصابات" ينقذ حياة شابين في حالتين حرجتين بالمدينة    ضبط 294 ألف قضية احتيال عبر الإنترنت في الصين    المملكة تقفز 60 مرتبة عالميًّا في ريادة الأعمال    فلامنجو البرازيلي يفوز على الترجي التونسي    طيران الرياض يوقع طلبية "إيرباص"    الجماعة تحت المجهر.. دعوات أمريكية متصاعدة لحظر «الإخوان»    الدفاع المدني: لا تتركوا المواد القابلة للاشتعال في المركبات    القبول الموحد في الجامعات وكليات التقنية    أنا لا أكذب ولكني أتجمل    الخارجية الإيرانية تطالب مجلس الأمن بإدانة الهجوم الإسرائيلي    بعد إقالته.. الجمعان يقاضي النصر    "متحف السيرة النبوية" يثري تجربة ضيوف الرحمن    المباراة بين القدم والقلم    التقطيم    مجموعة الأهلي المصري.. الكل متساوٍ بنقطة من دون أهداف    ترقب عالمي للمواجهة المرتقبة.. مسؤولو الريال: الهلال منافس صعب    روسيا تعرض «الوساطة» وتفتح قنوات اتصال مع واشنطن    تفقد مقار إقامتهم في مكة المكرمة.. نائب وزير الحج يبحث ترتيبات راحة حجاج إيران    زراعة 31 مليون شجرة لتعزيز الغطاء النباتي في الشرقية    " الحرس الملكي" يحتفي بتخريج دورات للكادر النسائي    السعودية رائد عالمي في مجال القطاع الدوائي    خبير: انتقال"الميربيكو" إلى البشر مسألة وقت    "تحدي الابتكار الثقافي" يربط المجتمع بالسياسات    "الحِرف اليدوية".. استثمار في الذاكرة والمستقبل    لندن: مترويلي أول رئيسة للاستخبارات الخارجية    الحج نجاحات متتالية    علماء روس يتمكنون من سد الفجوات في بنية الحمض النووي    أمير تبوك يعزي الشيخ عبدالله الضيوفي في وفاة شقيقه    أمير منطقة تبوك يكرم غداً المشاركين في أعمال الحج بمدينة الحجاج بمنفذ خاله عمار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله إبراهيم: «الفصاحة الجديدة»
نشر في الرياض يوم 15 - 02 - 2014

في تعقيبه الممتع على مضمون وشكل الروايات الفائزة بالقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لهذا العام يلتقط الزميل والناقد العراقي عبدالله ابراهيم بروز ما يسميه ب "الفصاحة الجديدة" في تقنيات السرد الروائي العربي. لا علاقة لهذه الفصاحة باللغة ذاتها وفصاحتها التقليدية, بل هي تصف الآلية الروائية ذاتها, الصنعة, الادوات والحيل, التمثيل الصادم, والتوظيف المفاجىء لأدوات خارجة عن التوقع, مُضافا إلى ذلك الخيال الجامح. انخرط صديقنا مع زملاء اربعة آخرين في لجنة تحكيم الجائزة لهذا العام مما اضطره لقراءة 156 رواية تنافست للوصول إلى القائمة الطويلة اولا (16 رواية) ثم القائمة القصيرة (6 روايات) والتي اعلن عنها يوم امس 10 فبراير في عمان. تؤدي هذه التجربة الغنية والمكثفة والتي يجب ان تنجز تحت ضغط الوقت, اي قراءة كل تلك الروايات في خمسة شهور تقريبا, إلى تكثيف لحظة الاطلاع على خلاصات المنجز الروائي العربي ومقارنته ببعضه البعض, والوصول إلى خلاصات نقدية تفتح مساحات جديدة للنقاش. معنى ذلك ان آلية اي جائزة ادبية, إن اتسمت بالتماسك والديمومة والصرامة, لا تفرز لنا اعمالا ادبية متفوقة ومبدعة وحسب, بل تدفع ايضا بعملية النقد الادبي والثقافي إلى آفاق جديدة. وربما يمكن تقديم اقتراح هنا يتمثل في ضرورة الاستفادة من تجربة لجان التحكيم في الجوائز الادبية, مثل البوكر وغيرها, في تعميق الجدل والنقاش في ميدان النقد الادبي عبر الاستفادة من اعضاء لجان التحكيم إن في شكل مؤتمرات او ندوات متخصصة تُنظم عقب الاعلان عن النتائج, وحيث لا تزال التجربة ومنتجاتها طازجة في عقل ووجدان اولئك الاعضاء الذين تعرضوا ل "تسونامي" ادبي في فترة وجيزة.
استدل عبدالله ابراهيم بإبداعات وصور وحيل وترميزات تضمنتها الروايات الست الفائزة بالقائمة القصيرة مُستشهدا على "الفصاحة الجديدة" التي تحملها كثير من الروايات الجديدة. وهو يرى ان التنافس الحقيقي بين الروايات المرشحة كان بين طريقتين في السرد, الاولى تقليدية في ابداعها, والثانية مجددة ومغامرة ومبهرة في ابداعها, وكلا الطريقتين تتمع بمشروعية الفوز. لكن التفوق الاخير, وهو تقييم ذائقي وانطباعي في نهاية المطاف ويعود للمتذوق او القارىء او الناقد, كان في رأي إبراهيم من نصيب النوع الثاني من الكتابة.
الامثلة التي يسوقها عبدالله ابراهيم من الروايات الفائزة مثيرة, كما ذكرها امام القاعة الممتلئة بالجمهور في مؤسسة عبد الحميد شومان في عمان. فمثلًا, في رواية خالد خليفة "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" يرسم الروائي خطوط تواز بين الحياة تحت ظل البطش والاستبداد في حلب خلال العقود الاربعة الماضية وكيف آلت إلى التعفن والتذري والتفكك, والعفن الذي آلت إليه جثة الأم وتحولها إلى خردة يجب التخلص منها. يقدم خليفة تاريخاً اجتماعيا وتفصيليا بشكل مذهل للناس والافراد والعائلات التي تتحلل وتعاني من الخراب الكلاني العائدة جذوة إلى الاستباحة الجماعية من قبل السلطة السياسية.
في رواية احمد سعدواي, "فرانكشتاين في بغداد", تتبدى "الفصاحة الجديدة" في واحدة من اقصى تجلياتها. فهنا وفي قلب بغداد يطلع وحش كريه لا اسم له, "الشسمة", يقتل ويخرب, ونعرف انه قد خُلق من تجميع اعضاء اجساد بشرية بريئة تقطعت وتشتتت وطارت جراء التفجيرات الارهابية, وان هذا الوحش صنعه "هادي العتاك" الذي يشتري ويبيع الأثاث المستعمل, ثم افلت الوحش عن السيطرة معلنا انه في مهمة مقدسة هي الانتقام لكل الابرياء والضحايا الذين سقطوا بلا سبب, وانه يقوم بقتل القتلة والجلادين فقط. كلما قتل قاتلًا ارتاح جزء من جسده كان قد الصق فيه من جسد بريء قتل, ونتيجة لذلك الارتياح يتحلل ذلك الجزء ويتشوه الوحش. يريد الوحش البقاء على الحياة حتى يستمر في القتل فيلصق في جسده اجزاء من الذين يقتلهم, من القتلة والجلادين, فتختلط فيه دماء الضحايا والقتلة. فرانكشتاين هو عراق ما بعد الاحتلال حيث يتلوث الجميع بالدم, ويدورون في دوامة الضحية والجلاد.
الرواية العراقية الثانية التي فازت ضمن القائمة القصيرة هي "طشاري" لإنعام كجه جه, وهي تنتمي ايضا في اجزاء كبيرة منها الى مدرسة "الفصاحة الجديدة", بتعبير عبدالله ابراهيم. هنا نلاحق عائلة عراقية مسيحية لم تكتشف هويتها الدينية على مدار عقود طويلة إلا في زمن "فرانكشتاين", وتحت وطأة الدم تتشتت في اصقاع الارض جميعها, بما فيهم وردة الولادة التي اشتغلت في توليد الامهات عقودا طويلة من الزمن, وها هي الآن تغادر العراق وهي في التسعين من عمرها. يموت افراد العائلة في المنافي ولا يسير في جنازاتهم احد ولا يعرفون اي يدفن احبائهم. واحد من العائلة يقرر بناء "مقبرة افتراضية" على الانترنت يبني فيها قبراً لكل ميت جديد: لا يلتقون احياء ولا امواتاً في الواقع المعاش, والميت, يلتقون امواتا في الأثير وحسب.
في "الفيل الازرق" للمصري احمد مراد تحملنا الفصاحة الجديدة إلى عوالم مختلطة للرواية البوليسية والإثارية في سياقات صراعات السيكولوجيا الفردية وتقلباتها وغموضها. وهنا يُقارب الروائي "المنطقة الحرام" بين الوعي واللاوعي ونراها تندثر في الرواية, وإثرها تسيح الاشياء والمشاعر والرغبات والأزمنة فوق بعضها البعض. نتابع رحلة اكتشاف يحيى لذاته ومن خلال تلك الرحلة نتابع الطيات المتراكمة للمجتمع وتقلباته وانهياراته الداخلية.
قد لا يتفق البعض مع عبدالله ابراهيم وتركيزه على "الفصاحة الجديدة" وايلاء التقنية والاداة والحيلة اهتماما مركزيا في النقد الادبي, لكن الإضاءة الملفتة على هذه المساحة التي تزداد اتساعاً في السرد الروائي العربي مهمة ومفيدة وتفتح نوافذ اضافية وتغري بالبحث والنقاش. وايا ما كانت الزواية التي يتم تدوير الإضاءة النقدية تجاهها فإن المحرك الاساسي لها يجب ان يتمحور حول درجة المتعة والإمتاع. ففي المقام الاول تُكتب الرواية من اجل القراء لا من اجل النقاد وإضاءاتهم. ما يقوله النقاد يأتي بعد ان تحقق الرواية النجاح في اختبار المتعة – التي هي, وكما اشارت زهور كرام الناقدة المغربية وزميلة عبدالله ابراهيم في لجنة التحكيم, حق مقدس للقارىء منذ ارسطو وحتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.