قد لا يعرف كثير من القراء أن (حملات الحج) ليست أمراً جديداً فلها جذور تاريخية تمتد إلى زمن كانت تنظم فيه هذه الحملات على الإبل قبل وصول السيارات إلى الجزيرة العربية فقد كانت من العمليات التجارية المربحة منذ ذلك الزمن البعيد. ومع دخول السيارات كوسيلة رئيسة في نقل الحجاج ازدادت أرباح هذه الحملات ففكر أحد السعوديين في سنة 1362ه بالاستثمار التجاري في هذا المجال، وسنذكر قصته مختصرة في السطور اللاحقة فقد كان لإبراهيم آل خميس صاحب كتاب أسود آل سعود صلات تجارية واجتماعية في العراق والكويت، فاتفق مع جماعة من أهل البصرة على تأسيس شركة لهذا الغرض برأسمال قدره 20 ألف دينار عراقي يدفعونها مناصفة بحيث يتفقون مع الحجاج فيما يتولى هو بقية الأمور، ثم عاد إلى الرياض لاستئجار السيارات حيث استأجر 53 سيارة بمبلغ 25 ألف روبية لكل سيارة، ولكنه وقع في مأزق خطير حينما تفاجأ بعد ذلك بإلغاء شركائه العراقيين للاتفاقية!! فسافر إلى الكويت لا يلوي على شيء وهناك وجد صديقه عبدالعزيز النفيسي الذي وقف معه وشجّعه وتكفّل بدفع أي مبلغ يحتاجه المشروع، فأقبل الحجاج من إيران في تلك السنة على نطاق واسع فتم الاتفاق في البداية مع 280 حاجاً منهم مقابل 2800 روبية وبعد أن رأى بقية الحجاج السيارات الممتازة التي استأجرها كثرت طلبات الانضمام للحملة!! هنا اصطدم مع مصالح شركة احتكارية خشيت أن تؤثر هذه الحملة على أرباحها فعرضت عليه أن ينضم إليها كشريك أو أن يحيل الحجاج والسيارات إليها بربح مرض، فوافق تحت الضغوط وجمّد نشاطه، ولكن اكتشف أنها كانت حيلة من الشركة لإضاعة الفرصة عليه حيث لم يسلموه المبلغ المتفق عليه وذهبوا لإغراء سائقيه بمبالغ تصل إلى ضعف اتفاقه معهم!! فعاد لنشاطه ليكمل حمولة السيارات المستأجرة وكان من حسن الطالع أن يزداد عدد الحجاج لترتفع نفقات الحاج الواحد إلى 3500 روبية، وتابع عمله حتى استكمل حمولة السيارات، ولكنه لم ينفك من تربّص صاحب الشركة وحقده وتحريضه للسلطات الكويتية ضده وتعرّض لمضايقات ومشاكل وتأخير حتى اضطر إلى التوجه إلى أمير الكويت في ذلك الوقت (أحمد الجابر) لإنصافه، وكان النظام السعودي الخاص بنقل الحجاج في ذلك الوقت يشترط أن يكون مع قافلة السيارات سيارة احتياطية مقابل 5 سيارات للحجاج وكان قد جهّز 5 سيارات احتياطية فطلبت منه سلطات الكويت خمس سيارات أخرى ولكن أين يجد سيارات وموسم الحج قد بدأ؟! واستطاع مع الوساطات تدبير 3 سيارات فأعطي رخصة المغادرة واتفق مع 30 حاجاً في اللحظات الأخيرة بحوالي 120 ألف روبية وأركبهم السيارات الاحتياط التي اشتراها أخيراً ولم يتنفس الصعداء حتى خرج بسياراته من (دروازة الكويت)، وما أن وصل مكةالمكرمة حتى ذهب للسلام على الملك عبدالعزيز حيث علم منه أن اثنين من خصومه في الكويت ممن يحملون الجنسية السعودية قد أودعا في سجن المصمك بسبب تصرفاتهما الرعناء ويسأله إن كان يطالبهما بشيء؟! وانتهى موسم الحج وعاد بالحجاج إلى الكويت مكتفياً بما حققه من أرباح معنوية ومادية كبيرة. هذه القصة تسجل جزءا من تاريخ الحج وتشرح معاناة الحجاج وأصحاب الحملات قبل 60 سنة.