انتقد عدد من المزارعين بمحافظة الاحساء قرار الشركة السعودية للكهرباء الذي صدر مؤخراً برفع رسوم توصيل خدمة التيار الكهربائي للمزارع. هل حقاً 3000٪؟!! قد يثير العنوان استغراب أو عدم تصديق الكثير، إلا أن كل الشكوك تتبدد إذا ما علموا أن هذه الارقام حصلنا عليها من أصحاب الاختصاص في شركة الكهرباء. ولتتضح الرؤية أكثر لدى الجميع ليتمكنوا من ملاحظة الفارق الكبير في السعر، عمدنا لهذه المقارنة التقديرية «المبنية على معلومات من الشركة ذاتها» ليكون انطلاقنا للحديث عن هذا القرار مبنياً على أسس واقعية وليس مجرد فرضيات! مقارنة تقديرية بين تكلفة ايصال تيار كهربائي بقوة 100 أمبير لمزرعة بنفس ظروف الموقع والاحتياجات في التعرفة السابقة والجديدة (حسب الجدول) الكهرباء لم تعد ترفاً.. بالرجوع سنوات قليلة للوراء كان الفلاح يدير مزرعته (نخلة) بأبسط الامكانات، فقد كان لوحده أو بمساعدة مجموعة من الفلاحين السعوديين يقومون بكافة أعمال اعمار المزرعة (النخل)، كما أن تلك «المزارع» النخيل كانت تعج بالحركة في النهار، وإذا ما غربت الشمس خلت تلك المزارع من أي حركة، لكن في الوقت الراهن فقد انتشرت العمالة الوافدة في معظم مزارعنا واصبح وجود الكهرباء ضرورة وليست أمراً كمالياً حيث يسكن العامل ومعه يحتاج إلى الكهرباء، ومن جانب آخر فقد صارت المزارع مكاناً يلجأ اليها أصحابها للراحة والاستجمام! إذاً فالحديث عن الكهرباء ليس حديثاً ترفياً، وانما حديث يرتبط بحاجة هي من الأهمية بحيث إن انقطاعها أشبه ما يكون بتوقف نبض القلب بالنسبة للإنسان! الفلاحون: ترك الزراعة أرحم! بعد 70 عاماً من العمل في الزراعة اصبح تركها أرحم؟! بهذه الكلمات عبر علي الهاشم (85 عاماً) عن امتعاضه من قرار شركة الكهرباء، وقال كنا في الماضي نبيع سعر المَنّ (100 كيلو غرام) من تمر الخلاص بثلاثة آلاف ريال، فكان مدخول الزراعة جيداً، إلا انه في العشر سنوات الأخيرة انخفضت قيمة (المَنّ) إلى 350 ريالا فقط! فاذا كان محصول سنة كاملة لا يتجاوز 10 آلاف ريال، فمن أين نستطيع دفع 30 أو 40 ألف ريال لايصال الكهرباء؟! وختم حديثه بالقول إن استمرار هذا القرار سيؤدي إلى هجرة الكثير للزراعة!! ويصف هاشم الهاشم ما اقدمت عليه الكهرباء بانه مضر للفلاح ولاسرته، وتساءل: من أين ينفق على أبنائه إذا كانت الزراعة مصدر دخله الوحيد؟! أحمد الزكري قال انه تقدم قبل ايام فقط بطلب عداد كهرباء، وعلى الرغم من قرب المحول من مزرعته الا انه طلب منه مبلغ وقدره 49 ألف ريال! وقال انه يفكر جدياً في بيع مزرعته، الا انه استدرك: ومن الذي يريدها بلا كهرباء؟! وطلب الزكري من الشركة اعادة النظر في هذا القرار الذي وصفه ب «التعجيزي»! علي الصالح ناشد وزارة الزراعة بالوقوف الجاد معهم، مشيراً إلى أن الزراعة ثروة هامة لا غنى لاي دولة عنها، وفي بلدنا المملكة، فقد حبانا الله سبحانه بالنخيل، ولم تبخل وزارة الزراعة في يوم من الايام في العناية بها، ومكافحة الآفات التي تصيبها، لذا فتنسيق الوزارة مع الشركة من الأشياء الهامة والداعمة للزراعة. أما سامي عبدالوهاب فيشير إلى ان لديه مزرعة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 1300م2 كلفة شرائها نحو 80 ألف ريال لتركيب العداد!! ووجه سامي سؤاله إلى الشركة: أليس من «المضحك» أن يكون سعر عداد الكهرباء مقارباً لقيمة المزرعة برمتها؟! معظم المزارعين الذين التقيناهم ناشدوا المسؤولين اعادة النظر في مثل هذا القرار ومحاولة تسهيل كافة الأمور المتعلقة بالزراعة لا أن يتم تعقيدها. القرار سيحول الأراضي إلى «بور»! من المهم معرفة أن المياه في كافة مناطق المملكة عانت في العقدين الأخيرين من تناقص شديد بسبب التغير المناخي وتناقص أو لنقل «الجفاف» الذي أصاب منطقتنا من الأمطار، وكثرة الاستخدام من جانب، ولو أخذنا على سبيل المثال محافظة الاحساء (وهي أكبر منطقة تحتفظ بمخزون للمياه الجوفية في المملكة) فقد كانت المياه تتدفق من آبارها ارتوازياً دونما حاجة إلى كهرباء لسحبها من جوف الأرض، الا انه في الوقت الراهن أصبح خروج الماء ارتوازياً أمراً في ذاكرة النسيان، ولا أتصور أن هذا الأمر يغيب عن بال القائمين على شركة الكهرباء، فالكهرباء باتت هي الوسيلة الوحيدة لاخراج الماء من باطن الأرض، ومعها صارت الزراعة برمتها متوقفة على توفر الكهرباء من عدمها! البعض وجه سؤالا مؤلماً وهو: هل يرضى المسؤولون في شركة الكهرباء أن يتحول بساطنا الأخضر في المملكة إلى ارض جرداء؟! وهل يسرهم أن تتحول تلك التربة التي لطالما أكلنا من خيراتها، إلى أراض بور تملؤها السبخات الملحية هنا وهناك؟! وإذا ما أغمض المسؤولون في شركتنا الموقرة أعينهم عن هذه الخطوة التي تنذر بالخطر، فهل ستتحرك وزارة الزراعة (من منطلق مسؤوليتها عن القطاع الزراعي) بدعم من يحتاج لايصال التيار الكهربائي ليتدفق الماء ليروي قلوب الفلاحين الضعفاء قبل أن يسقي نخيلهم التي يقتاتون منها وأطفالهم؟!