قيادة القوات المشتركة للتحالف (تحالف دعم الشرعية في اليمن): تنفيذ ضربة جوية (محدودة) استهدفت دعم عسكري خارجي بميناء (المكلا ).    غزال ما ينصادي    وزير الاتصالات يشيد بمشروعات "تحديات الهاكاثون التقني"    "مسك" تحتفي بتخريج "قيادات واعدة"    مجلس الاقتصاد والتنمية: ارتفاع مستويات الإنتاج الصناعي واستقرار معدل التضخم    قائد الأمن البيئي يتفقد محمية الملك سلمان    رونالدو يُشعل الصحف العالمية بثنائية الأخدود    تتويج أبطال المملكة للمبارزة    "المدينة المنورة" لذوي الإعاقة يتوج بكأس السوبر    300 ألف متطوع في البلديات    فيصل بن بندر يزف 106 من أبناء «إنسان» للحياة الزوجية    معرض «بصمة إبداع» يجمع مدارس الفن    وزير التعليم يزور جامعة حائل    غياب ضعف وتراجع!    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    "الرياض الصحي" يدشّن "ملتقى القيادة والابتكار"    سماعات الأذن.. التلف التدريجي    أندية روشن وأوروبا يتنافسون على نجم دفاع ريال مدريد    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    مجموعة شرق أفريقيا تؤكد التزامها بوحدة الصومال    «عريس البراجيل» خلف القضبان    أمانة جدة تتلف 4 أطنان من اللحوم الفاسدة    حكاية وراء كل باب    بعد مواجهات دامية في اللاذقية وطرطوس.. هدوء حذر يسود الساحل السوري    نتنياهو يسعى لخطة بديلة في غزة.. حماس تثق في قدرة ترمب على إرساء السلام    7.5 % معدل بطالة السعوديين    رامز جلال يبدأ تصوير برنامجه لرمضان 2026    تدريب 320 مراقباً في مبادرة «رافد الحرمين»    التقدم الزمني الداخلي    المزارع البعلية.. تراث زراعي    افتتاح أول متنزه عالمي بالشرق الأوسط في القدية    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    في روشن.. الحزم يعبر الرياض.. الفتح يواصل صحوته والتعاون يصعق النجمة    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. تونس تسعى لعبور تنزانيا.. ونيجيريا تلاقي أوغندا    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    محمد إمام يحسم جدل الأجور    %69 من مساكن المملكة بلا طفايات للحريق و87% بلا أجهزة إنذار    اليوان الرقمي يحفز أسواق العملات الرقمية    نجل مسؤول يقتل والده وينتحر    معارك البيض والدقيق    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    رهانات وقف النار على غزة بين اختبار المرحلة الثانية وسيناريو التعثر    خطة سلام تحت الاختبار ضمانات أمريكية لأوكرانيا لمدة 15 عاما    التعاون لوصافة دوري روشن بالفوز على النجمة    الهلال والنصر يسيطران على الريشة    السعودية وإدارة التحولات الإقليمية    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    رئاسة أمن الدولة تستضيف التمرين التعبوي السادس لقطاعات قوى الأمن الداخلي "وطن 95"    بلدية محافظة بيش تواصل أعمال النظافة اليومية بالكورنيش حفاظًا على الشاطئ وراحة الزوار    حتى لا تُختطف القضية الجنوبية.. المملكة ترسم خطوطًا فاصلة في حضرموت والمهرة    دعوى فسخ نكاح بسبب انشغال الزوج المفرط بلعبة البلوت    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من صمت دمشق إلى إستكانة حلب

دعم سوريا لن يتحقق بالتعاطف وبالمؤازرة الكلامية، بل بالإعداد وبالتفكير في كيفية إبقاء الإنتفاضة الشعبية مشتعلة، بل والعمل على تصاعدها مع التفكير بشكل عملي في كيفية حماية المدنيين من بطش جيش النظام
أستطيع أن اعتبر نفسي من المقلين في زيارتي إلى سورية، فقد زرت دمشق مرة أو مرتين، وكل مرة أقضي وقت الزيارة في دمشق القديمة، التي لم تستطع الأيام أن تمحيها من ذاكرتي، قبل عشرين سنة سكنت في أحد الفنادق الصغيرة بالقرب من البلدة التاريخية وصرت أصحو يوميا بعد الفجر وأجوب بكامرتي الأحياء والطرقات والمساكن وأعود في المساء لأنام وأكرر الجولة في اليوم التالي. مازلت أحتفظ بأجمل الصور عن البيت الدمشقي بإيواناته وبحراته وعلياته. الحارات الدمشقية مثيرة للدهشة والمشاهدة، فما زالت تلك الحارات تنبض بالحياة ومازال التاريخ يتسلل على استحياء للحياة الدمشقية المعاصرة. في سوق الحميدية يمكن مشاهدة الحياة الدمشقية بتفاصيلها، يمكن اعتبار هذا السوق "برنامجا" وثائقيا حيا لهذه الحياة، في نهاية السوق التي تنفتح على بقايا مبنى الكنيسة القديمة وبعدها الجامع الأموي العظيم يشعر من يزور البلدة القديمة أنه انتقل من عالم صاخب إلى عام تملؤه السكينة. كنت أتأمل الباعة الدمشقيين، فقد كنت اسمع ان السوريين "تجار شطار"، وهم كذلك، لكني كنت أريد أن أرى أبعد من صورة التاجر، كنت ابحث عن صورة العربي الأصيل الذي لا يرضى بالظلم ولا يقبل الضيم، كنت أتلمس تلك الملامح التي في ذاكرتي عن الأسرة السورية الكريمة التي سمعت وقرأت وشاهدت عنها.
لقد أمضيت يوما كاملا في الجامع اتأمل الفسيفساء في الوجهات الداخلية والضوء الخافت الذي يتسلل عبر زجاج الشبابيك الملون المنتشر على جدار القبلة. تلك الصور لا يمكن أن أنساها، دمشق التاريخ والثورة والعزة والإباء كلها تتجسد في المدينة القديمة، فهي ذاكرة الشام بحق ومصدر حكاياتها المتجددة، لكنني أحزن الآن على استكانة هذه المدينة العظيمة، لقد كانت جدران البلدة القديمة تنتفض عندما كنت ألمسها فهي تختزن تاريخا طويلا من الأنفة ومن قصص الرجال، لكني لا أشعر بها الآن والنظام الأسدي الغاشم يدك البلدات السورية ويقتل الاطفال والنساء ودمشق تفرح بذلك ولا تحرك ساكنا ويخرج ابناؤنا في الشوارع لاستقبال (لافروف) بالورود. ماذا ستقول لنا دمشق في المستقبل كيف ستبرر لنا صمتها؟ كيف ستكون جدرانها وباحات مساكنها بعد اليوم؟ كيف ستقنعنا مرة أخرى أنها دمشق الذاكرة صاحبة الشخصية الشامية التي لا تنسى؟ ماذا ستقول للسوريين أنفسهم في المستقبل وهي تفرح لمقتلهم؟ كيف تحولت هذه المدينة العظيمة إلى مجرد دمية في يد نظام غاشم لا يرعى إلا ولا ذمة.
في حلب، احتفلت مع ابنائها عندما أختيرت عاصمة للثقافة العربية، دعتني جامعة حلب لإلقاء محاضرة حول الهوية المعمارية في العالم العربي. السوريون بطبيعتهم أهل ثقافة وعروبتهم لا شك فيها، مازلت أتذكر الحوار العميق حول الهوية العربية في مبنى كلية الهندسة فقد قادنا ذلك الحوار إلى واقع العروبة ومستقبلها، حوار أليم حول واقع أليم، لكن العيون كانت تبرق بالأمل، وكأنها تتوقع ما يحدث الآن في سوريا. حلب ثاني أكبر المدن السورية، الشهباء لها رونقها الخاص بها، فقد زرت الأحياء التي بنيت خلال الفترة الاستعمارية وكنت مهتما بالعمارة "الكولونيالية" في العالم العربي، لكن حلب تظل أكبر سوق تقليدي مغطى في المنطقة العربية، فقد كانت حلب إحدى المحطات الرئيسية على طريق الحرير. أصدقائي الحلبيون يقولون لي إذا تحركت حلب فسوف يسقط نظام الأسد، وأنا أقول متى تتحرك حلب، لقد يئست من تحرك حلب وكأنها مدينة في نوم عميق يصعب أن تصحو منه. أذكر أنني ذهبت إلى حلب بالسيارة من دمشق ومررت في الطريق بحماة وحمص والعديد من البلدات السورية الوادعة. ريف حلب يتداخل مع الحدود التركية، وقد كنت أنظر لتلك الحدود من قلعة سمعان وأتخيل هذا المزيج العبقري من الجغرافيا والثقافة الانسانية التي عليها المنطقة.
متى تتحرك حلب ومتى تواجه هذا الطاغية ومتى تعبر عن عبقريتها وعن تاريخها، متى تنتفض وتتذكر "المتنبي" و"سيف الدولة". عندما استخدمت روسيا والصين الفيتو لإيقاف قرار مجلس الأمن شعرت بالأسى، فنحن نعيش عالم بلا أخلاق، ففي روسيا لم يتظاهر رجل واحد في الشارع احتجاجا على قرار حكومته الظالم، وفي الصين "بلد الحكمة" غابت عنها الحكمة هذه المرة وزجت بنفسها في عراك ليس لها فيه لا ناقة ولا جمل، جعلت من نفسها هدفا لكراهية ثلاثمائة مليون عربي. السوريون لوحدهم الآن يواجهون آلة القتل الأسدية، فالابن يسير على طريق أبيه، فقد كنا نسمي حافظ الأسد في مطلع الثمانينيات "طاغوت الشام"، وما زلت أتذكر خطباء المساجد في المملكة وهم يذكرون هذه الصفة لحاكم سوريا في ذلك الوقت الذي حصد أرواح أبناء حماة دون أن ترف له عين. الطواغيت الأسدية تتوالد في الشام، فقد كتب على هذه المنطقة أن تتعامل مع آخر طواغيتها وأن تردعه، رغم أن العالم تخلى عن السوريين ورغم أن بعض جيران سوريا يحيك المؤامرات ضد شعبها ويسمح لملالي إيران بالمرور السهل ويفتح للنظام السوري الغاشم كل موانئه ومطاراته، إلا أن إيماني بالشعب السوري أكبر من كل هذه المؤامرات الدنيئة.
إننا أمام أزمة أخلاقية كبيرة، أزمة سوف يحاسبنا عليها التاريخ وسوف تكون عارا على جبين كل عربي، فحمص تواجه مذبحة كل يوم، ومشاهد الأطفال على القنوات الفضائية تدمي القلوب، والواجب الأخلاقي يقتضي علينا أن نتحرك سريعا، فالسوريون في الداخل بحاجة إلى مساعدة والجيش الحر بحاجة إلى تسليح. ودعم سوريا لن يتحقق بالتعاطف وبالمؤازرة الكلامية، بل بالإعداد وبالتفكير في كيفية إبقاء الإنتفاضة الشعبية مشتعلة، بل والعمل على تصاعدها مع التفكير بشكل عملي في كيفية حماية المدنيين من بطش جيش النظام، الذي يجب أن نعمل على تفكيكه من الداخل، فأنا على يقين أن جزءا كبيرا من هذا الجيش يشعر بتأنيب الضمير وينتظر اللحظة المناسبة للإنشقاق والتمرد. لا أتصور أن جيشا يمكن أن يقتل الشعب الذي يفترض أن يحميه، لكننا أمام واقع أخلاقي مرير لا نستطيع إلا أن نفتح أفواهنا دهشة أمامه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.