أمرُ حسن أن يُنادي البعض بالاعتدال في المأكل والمشرب والملبس وبقية احتياجات الجسد. ماذا عن الاعتدال الفكري وقبول الآراء؟ هل نحن معتدلون فيها؟ أليس الاعتدال في العلاقة مع الآخر دون تخوين أو تفسيق أو كراهية أولى بالمطالبة؟ إنه لأمر مؤسف أن تسمع مواعظ تدعو للاعتدال في استهلاك الطعام والشراب والواعظ نفسه يقطن القصور ويركب أفخم السيارات ويلبس الزاهي من الثياب ويتنعم بكل ما لذّ وطاب ثم يدعو بالثبور والهلاك على كل من يخالف فكره أو مذهبه أو دينه فهل هذا هو الاعتدال والعدل؟ تقول النُخب من مختلف التيارات بالوسطية وهم ابعد الناس عنها، فالوسطي أو المعتدل هو من يقف في منتصف المسافة ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار وبذا يكون الأقرب للجميع فهل بالفعل يقفون كالنقطة الفاصلة ما بين كفتي الميزان؟ ثم تعالوا ننظر في حال الأغلبية التي توصف دوماً بالصامتة، ما هو موقفها من الوسطية والاعتدال؟؟ ألا يفترض بها تحديد موقفها بوضوح دون خشية من الأوصياء أو مجاملة لأصحاب الصوت المرتفع رغم أقليتهم؟ حتى تكون الصورة أوضح أقول إن الاعتدال ضد التطرف والتشدد. من أراد معرفة توجه أيّ مجتمع ما عليه إلا استخدام مقياس (الوسط الذهبي) الذي تبدأ نقطة الصفر فيه وسط المقياس فكلما ابتعد المراد قياسه عن نقطة الصفر فهو بدرجة أشدّ في التطرف سواء ناحية اليمين أو اليسار. السؤال الكبير: هل نحن معتدلون؟ الإجابة في اعتقادي تتم من خلال مقياس كبير بيد محايد الفيصل فيه موقفنا وتعاملنا مع الآخر المُختلف. كل ما أخشاه أن يرتبك المقياس وحامله بفعل فتوى قاصمة..! ** محطة القافلة: يعيبون على من يجعل العقل الجسر الموصل لليقينيات، وفي ذات الوقت يتناسون أصحاب الفهوم الضحلة وتسببهم في مآزق الأديان والمذاهب وكذا ورطات المجتمعات. حينما يجتمع فهم ضحل ونقص في التجارب والخبرات تغيب الحكمة والرأي الصائب. إلى اللقاء