في سوق برزان الشعبي تكمن حكاية "أم ناصر" المرأة المكافحة التي تجيء في كل صباح من حي البادية لتعرض "أكلاتها الشعبية" على المارة، والتي لا تنسى أن تزينها بذائقتها الكبيرة في الطهي وإعداد الولائم الشعبية المحببة للناس في شهر رمضان، لكنها تحتفظ بقدر كبير من الأوجاع بداخلها، فصورة زوجها الراحل، ورعايتها أبنائها الخمسة، ومعاناتها الدائمة مع المرض والجهد الجسدي، لم يكن عائقا لانسراب الأماني من داخلها كسرب حمام حلق في أفق الكفاح الذي يأخذ معه ما يأخذ، لكنه يعطي الأمل بالله. لم تكن تعلم حينما كانت فتاة صغيرة لم تبصر من الحياة شيئا، بأن قربها من والدتها وتعلمها منها سر المهارة في الطهي أن والدتها تعدها لمهمة صعبة في الحياة وهي الاعتماد على هذه المهارة في كسب العيش، فمنذ الصغر أحبت أن تكون ربة بيت ممتازة فأعدت نفسها حتى تدير بيتها الذي رسمته، كما ترسمه أي فتاة لحياة زوجية سعيدة، لكن القدر كان أسرع من خيالها فأعدها لتكون أرملة في رقبتها خمسة من الأبناء. لا تحب أم ناصر أن تخبر أبناءها بمقدار التعب الذي تشعر به.. فقط لأنها تطلب المعيشة الحسنة لهم، لكنها في مقابل ذلك تثابر في حياة جادة كامرأة ترملت سريعاً لتجد نفسها مسؤولة عن إعالة أسرة.. وربما حبها لتعلم فنون الطهي الشعبي منذ سن 13 سنة أثمر لها رزقاً لا ينقطع، فقد عرفت في أواسط أسرتها بذائقتها العالية في طهي الطعام حتى بدأ الإقبال عليها، فانطلقت في الحياة بمهنة بائعة الأكلات الشعبية". تخرج "أم ناصر" لسوق برزان من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً، ثم تعود إلى بيتها لكنها تستأنف ذلك العمل في الرابعة عصراً حتى العاشرة ليلاً، إلاّ أن ذلك الوقت الطويل يتغير في شهر رمضان المبارك، حيث تبدأ عملها في العاشرة والنصف صباحاً حتى الثالثة عصراً، ثم تستأنف بعد صلاة التراويح عملها، إلاّ أنها تجد في هذا الشهر فرصة كبيرة لزيادة دخلها من هذه الأكلات الشعبية، فيشتري منها المارة في السوق، كما يقوم كثير من السيدات خاصة الكبيرات في السن بالإقبال على الأصناف الشعبية القديمة كالهريس والجريش والمرقوق والتمن والحنيني والصبيبة والكليجا. وتصف هذا الشهر بشهر الخير، حيث تحصل كربح يومي ما يقارب 3000 في اليوم؛ لكثرة الإقبال عليها، واصفة الحياة بأنها صعبة وتحتاج للكدح الدائم لمن أراد العيش.