وزير الاقتصاد والتخطيط: المملكة أوجدت العديد من الفرص التنموية    المملكة ترسم خارطة جديدة للسياحة الصحية العالمية    6 شروط للقبول في البرنامج التدريبي لتأهيل قائدات قطار الحرمين    عباس يدعو لدولة فلسطينية تجمع غزة والضفة والقدس    تدشين فعاليات أسبوع البيئة بالقصيم    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    رئيس مجلس الوزراء العراقي يصل الرياض    آل حيدر: الخليج سيقدم كل شيء أمام النصر في الكأس    إلزام موظفي الحكومة بالزي الوطني    "واحة الإعلام".. ابتكار لتغطية المناسبات الكبرى    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    "عصابات طائرة " تهاجم البريطانيين    كائن فضائي بمنزل أسرة أمريكية    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    أمير الرياض يؤدي الصلاة على منصور بن بدر بن سعود    أرباح شركات التأمين تقفز %1211 في 2023    لرفع الوعي المجتمعي.. تدشين «أسبوع البيئة» اليوم    إحالة الشكاوى الكيدية لأصحاب المركبات المتضررة للقضاء    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    أمين عام «أوبك»: نهاية النفط لا تلوح في الأفق    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    4 مخاطر لاستعمال الأكياس البلاستيكية    وصمة عار حضارية    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    64% شراء السلع والمنتجات عبر الإنترنت    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    تتويج طائرة الهلال في جدة اليوم.. وهبوط الهداية والوحدة    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    فيتور: الحظ عاند رونالدو..والأخطاء ستصحح    انطلاق بطولة الروبوت العربية    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    تجربة سعودية نوعية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هانس كريستيان أندرسن في «قصص وحكايات خرافية» المترجمة إلى العربية: مخيلة خصبة، وبراعة في السرد، ومهارة في القص
أحد أهم كتّاب الحكايات الخرافية في العالم ..
نشر في الرياض يوم 19 - 05 - 2005

حفلت ثفافات الشعوب وتراثها بإنتاج غزير من القصص والحكايات الخرافية، ومن الصعوبة بمكان تحديد تاريخ معين لظهور هذا النوع من الحكايات، فجذورها تمتد إلى العصور الغابرة في بلاد الرافدين، وشرق آسيا، واليونان القديم، ولعل شخصية إيسوب المشهورة صاحب الحكايات الخرافية الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد الإغريق، دليل على ذلك، وقد ورد ذكره في كتابات فلاسفة ومؤرخي ذلك العصر مثل أفلاطون، وارستوفان، وأرسطو وغيرهم...غير ان الحكاية الخرافية وجدت في فترة مبكرة من التاريخ اليوناني قبل إيسوب وربما ترجع إلى القرن السابع أو الثامن قبل الميلاد حيث ورد بعضها في شعر هزيود، وفي كتابات الشاعر أرخيلوخوس 675 - 635 قبل الميلاد.
وتتميز الحكاية الخرافية، كما يقول إمام عبد الفتاح إمام، بأنها «قصيرة، وتروى في الأعم الأغلب على لسان الحيوان أو بعض ظواهر الطبيعة»، وتنطوي على مضمون أخلاقي هو المغزى من الحكاية، ولهذا كانت أقرب إلى الدروس التي تريد أن تغرس في النشء بعض المفاهيم والقيم الأخلاقية، وليس من الضروري ان يكون الإنسان بدائياً أو قريباً من الحيوانات لكي يكتب هذه الحكايات الخرافية، كما يقول بعض النقاد،، فقد تكون من إبداع الطبقات الدنيا، والشرائح المهمشة في المجتمع، التي كانت تستخدمها في نقد علية القوم دون أن تعرض نفسها لخطر العقاب!
فاللجوء إلى الخرافة، والأسطورة هو أسلوب تعتمده، في الغالب، جماعة مضطهدة في مرحلة تاريخية ما لنقد الأوضاع الاقتصادية، والسياسية بصورة رمزية حتى تتجنب العقاب، على نحو ما فعل إخوان الصفاء في روايتهم للشكوى التي تقدمت بها الحيوانات إلى ملك الجان ضد ظلم الإنسان لها وتجبّره عليها! وحتى في عصرنا الراهن نجد بعض الشعراء والأدباء يستخدمون الرمز، ويوظفون الأسطورة والخرافات الشعبية لتمرير بعض الأفكار المعارضة، وذلك خشية من السلطات السياسية والدينية. وتحمل هذه الحكايات، في ثناياها، وعظاً، وتوجيهاً، ومغزى أخلاقيا كما نلاحظ مثلا في كتاب «كليلة ودمنة» التي تروى على لسان الحيوانات، والتي ترجمها ابن المقفع إلى العربية في القرن الثامن، وكذلك ما ورد في حكايات «ألف ليلة وليلة» التي تعتبر من التحف الأدبية النادرة التي أبدعتها مخيلة الإنسان.
الحكاية الخرافية في أوربا
يعتبر الدانماركي هانس كريستيان أندرسن، الذي نتحدث عنه في هذا المقال، أحد أبرز الكتاب الأوربيين في مجال القص الخرافي، ومن المفيد هنا وقبل ان نتوسع في الحديث عنه ان نرصد بعض الأسماء الأوربية الأخرى التي برزت في هذا المجال لكي تكون الصورة متكاملة.
وهنا لابد من العودة مرة أخرى إلى ما يقوله إمام، إذ يرى بان «الحكايات الخرافية ازدهرت في أوربا في العصور الوسطى كغيرها من صور الحكايات، وظهرت مجموعة من الحكايات في أواخر القرن الثاني عشر كتبتها ماري دي فرانس»، ويضيف «لقد أدى تطور الحكاية الخرافية في العصور الوسطى إلى ظهور صورة موسعة سميت باسم «ملاحم الحيوانات»، وهي قصة طويلة تدور حول الحيوان الذي يقوم بالبطولة، وأشهرها مجموعة مرتبطة بالثعلب رينار وهو البطل الذي يرمز إلى دهاء الإنسان»، وقد صاغ الشاعر الألماني غوته هذه الحكاية في ملحمة شعرية ساخرة وطويلة، كما استغل الشاعر الإنكليزي أدموند سبنسر (1552 - 1599 م) مادة هذه الحكايات في قصة (الأم هبرد)، وبدوره فعل ذلك المسرحي الإنكليزي جون درايدن ( 1631 - 1700 م) في قصيدته (الأيل والنمرة) التي أحيت من جديد ملاحم الحيوان كإطار رمزي للمناقشات اللاهوتية.
غير أن الانعطافة الحاسمة في مجال الحكايات الخرافية، ظهرت في القرن السابع عشر الميلادي في أعمال الكاتب الفرنسي الأشهر جان دي لافونتين (1621 - 1695 م) الذي تأثر بحكايات إيسوب اليوناني، وصاغ الكثير منها شعراً، كما تأثر بالتراث الشرقي من الحكايات مثل «كليلة ودمنة» و«ألف ليلة وليلة» وغيرهما، واستوحى من بعضها بعض حكاياته وأشعاره إضافة إلى ما ابتدعه هو وابتكره من حكايات، وأشعار، وقصص انطوت على سخرية لاذعة من القضاء، ومن البيروقراطية، وسخرية من الكنيسة ومن الطبقة البرجوازية الصاعدة التي كانت في بداية ظهورها، وباختصار فان حكاياته تسخر من حماقة البشر وغرورهم بأسلوب شيق وسلس.
وبرز أدباء آخرون في القارة الأوربية بعد لافونتين، ومنهم، مثلا، الأديب الروسي إيفان اندريتش كريلوف (1768 - 1844 م) الذي كتب حكايات خرافية نالت التقدير كما ترجم حكايات لافونتين إلى الروسية، وفي ألمانيا برز اسم جوتهلد إفرايم لسنج ( 1729 - 1781 م)، وكذلك كرستيان ف. جليرت ( 1715 - 1769 م)، ولابد لنا قبل أن نختم هذه الفقرة أن نشير إلى اسم كبير ظهر في أوربا وهو الروائي الإنكليزي الشهير جورج أورويل ( 1903 - 1950 م) الذي كتب «الأسد ووحيد القرن» عام 1941 م، ثم نقد الأيديولوجيا الشيوعية في روايته الشهيرة «مزرعة الحيوان» التي اعتمد فيها على الحكاية الخرافية، وراح ينقد المجتمع السوفييتي في عهد جوزيف ستالين، وهو صاحب الرواية الأشهر في تاريخ الأدب الإنكليزي ونقصد بذلك روايته ( 1984 ) التي تعد من العلامات الأدبية البارزة ليس في مسيرة هذا الكاتب فحسب، بل في تاريخ الأدب عموما.
هانس كريستيان أندرسن
تحتفل الدانمارك في هذا العام بالذكرى المئوية الثانية لولادة هانس كريستيان اندرسن (1805 - 1875 م) الذي يعد واحدا من الكتاب البارزين في مجال كتابة الحكاية الخرافية، وهو يعتبر شاعر الدانمارك الوطني، ورغم كونه كتب في مختلف حقول الأدب كالرواية، والنص المسرحي، والشعر غير ان موهبته تجلت، أكثر ما تجلت، في مجال الحكايات الخرافية التي برع في كتابتها ليحتل مكانة بارزة في هذا المجال من القص على مستوى العالم، فحكاياته تأخذ من ناحية الشكل قالب الحكاية الشعبية، وبعضها ينطلق من القصص الخرافية التي سمعها عندما كان صغيرا، كما ان حكاياته، رغم بساطتها، تحمل مستويات عدة في بنائها، فهي تتوجه للأطفال، وتجذب الكبار كما هي الحال مع المختارات التي ترجمتها له الكاتبة العراقية دُنى غالي، وصدرت عن دار المدى ( دمشق - 2005 ) تحت عنوان «قصص وحكايات خرافية»، ضمن سلسلة «الكتاب للجميع»، وذلك بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الكاتب.
يقول ه. ك.أندرسن في معرض توضيحه لفحوى قصصه: «حكاياتي الخرافية هي للكبار كما هي للصغار في الوقت نفسه، فالأطفال يفهمون السطحي منها، بينما الناضجون يتعرفون على مقاصدها ويدركون فحواها. وليس هناك إلا مقدار من السذاجة فيها، أما المزاح والدعابة فليست إلا ملحا لها»، ويضيف الكاتب: «والراوي يجب ان يسمع صوته من خلال الأسلوب، واللغة يجب أن تقترب من الشفاهة. القص هو للأطفال ولكن الكبار يجب أن يصيبهم نصيب من المتعة أيضا».
وبهذا المعنى فان أندرسن يكتب لذلك الطفل الغافي في أعماق ذواتنا، ومن يقرأ «قصص وحكايات خرافية»، وهي مختارات تضم ثلاثاً وعشرين قصة وحكاية، يكتشف ان أندرسن يخاطب مشاعرنا وأحاسيسنا رغم كونه يضع القصة في قالب من التشويق والإثارة بشكل متعمد لأنها موجهة للأطفال، لكنها قصص، وكما جاء في المقدمة، تدور حول شخصياتنا جميعا بجوانبها المضيئة والمظلمة، فهي تتناول الطبيعة البشرية بكل ما تحمل من نفاق ونبل، من خير وشر، من أنانية وإيثار، من كبرياء ووضاعة...وهي، ومن زاوية أوسع، تنتقد بعض الأخلاقيات السلبية التي تسود في مجتمعات مختلفة في مراحل تاريخية معينة كالطمع، والتسلط، والانتهازية، والاستغلال، كما تحتفي بتلك القيم الأخلاقية النبيلة كالشجاعة، والعدل، والوفاء، والكرم، والصدق وباختصار هو يستقرئ دواخل كل من الفرد والمجتمع بشكل نقدي ساخر وبأسلوب فكاهي شيق.
نبذة مختصرة
ظهرت محاولات الكاتب الأدبية الأولى وهو دون سن العشرين، أي في العام 1822، وبعد حصوله على الثانوية، كتب في العام 1829 أول عمل أدبي له بقص إبداعي خفيف الظل يحمل عنوانا طويلا (السفر سيرا على الأقدام من قناة هولمن إلى الرأس الشرقي لجزيرة آما)، وبعده كتب مسرحية «حب في برج نيكولاي»، وفي عام 1831 اصدر كتاب في أدب الرحلات بعنوان «صور الظل» يحوي قصتين يتجلى فيهما بعد القص الخرافي، وصدرت روايته الأولى في العام 1835 بعنوان «الفنان المرتجل»، وبعدها كتب مجموعة من القصص الخرافية من أهمها «حورية البحر الصغيرة» التي تعد نقطة انطلاقته الفنية، ثم اصدر في العام 1836 رواية «واو، تاء»، وفي العام التالي رواية «مجرد عازف»، وفي عام 1839 اصدر مخطوطات نثرية بعنوان «كتاب مصور بدون صور» مستوحى من ألف ليلة وليلة، وكذلك اصدر في العام 1842 كتاب «سوق شاعر» وهو من أدب الرحلات، وبين العامين 1843 و1848 اصدر من جديد حكايات خرافية بينها «العندليب»، و«الظل»، وفي العام 1848 كتب رواية «البارونتان» التي تتناول انتقال المجتمع بأكمله من العصر القديم إلى العصر الجديد، وفي العام 1855 اصدر سيرته الذاتية بعنوان « قصة حياتي الخرافية»، وبعدها بعامين صدرت له رواية «نكون أو لا نكون»، واستمر الكاتب في كتابة القصص الخرافية فضلا عن كتابته في مجال أدب الرحلات التي تناولت مشاهداته ورحلاته في أسبانيا والبرتغال، وفي العام 1870 كتب رواية «بيير المحظوظ»، وتوفي في العام 1875 في كوبنهاغن.
عاش أندرسن في كنف أسرة فقيرة، فعانى، هو المرهف الإحساس، من شظف العيش، لكنه تعلق بالفنون منذ صغره، فأقام في ركن من الغرفة الوحيدة لأسرته مسرحا للدمى، وراح يمضي وقته في محاكاة دماه وتحريكها متخذا منها شخصيات لمسرحه الخيالي الصغير، وكان يتابع بشغف عروض مسرحيات شكسبير وسوفوكليس وسواهما من عباقرة المسرح التي كانت تقام على المسرح الملكي في كوبنهاغن.
وشأنه شأن الكثير من العباقرة فقد كان أندرسن في المدرسة، بليداً، ثقيل الفهم، اخرق، يرتبك في حركاته، يدلف بين الناس بقامته الطويلة يثير سخريتهم لمجرد رغبته في ان يكون ممثلا، لكنه ما لبث ان هجر المسرح، وتحول اهتمامه إلى الحكايات الشعبية والخرافات والقصص، وكان هذا الشغف والاهتمام يزدادان مع إصغائه إلى الروايات والقصص التي كان يسمعها من والدته التي استطاعت بأسلوبها الشفاهي البسيط أن تلهب خيال الطفل الغض، فانطبعت الخرافات كالحقيقة في وعيه، وكوشم جميل في ذاكرته البيضاء، وراح يؤمن بأن عالمه الخرافي أجمل من عالمه الواقعي الراكد.
لم يكن طريق الشهرة ممهدا لهذا الفتى الموهوب، بل لاقى الكثير من الصعوبات والعقبات، وحين سئل أندرسن، ذات مرة، عن سيرة حياته، أجاب: «اقرؤوا حكاية فرخ البط القبيح»! وهي حكاية تتحدث عن قصة النجاح التي لا تتحقق إلا بعد مشقة ومعاناة، فالحكاية تتحدث عن فرخ بط قبيح لم يلق المودة من شقيقاته البطات، فكان منبوذا نظرا لقبحه وضخامة حجمه، فراح يتنقل من مكان إلى آخر بحثا عمن يهتم به ويقدره، لكنه كان يعاني من نظرات الازدراء من جميع الطيور والحيوانات، حتى من المقربين له، إلى ان كبر واكتشف انه بجعة جميلة بيضاء وليس فرخ بط قبيحاً، فتباهى بنفسه بين أترابه كبجع جميل يثير الإعجاب، والواقع أن سيرة أندرسن تشبه إلى حد بعيد سيرة فرخ البط هذا، وقد كتب أحد النقاد معلقا: «لكل مبدع ولكل شاعر حكاية فرخ البط القبيح الخاصة به»، مضيفا: «إن هذه الحكاية هي العمل الإبداعي الذي يكشف فيه أندرسن عن معاناته، وأحلامه، عن نجاحاته الأولى المغمسة بمرارة الاخفاقات، وعن مكنوناته...».
زهور إيدا الصغيرة
في جميع قصصه وحكاياته الخرافية ثمة عالم جميل تنسج خيوطه مخيلة أندرسن الخصبة، وثمة افتتان بالمتعة، والجمال، والحكمة، والشجاعة، والنباهة، والفكاهة...وغالبا ما يقول فكرته على لسان الحيوان، والنبات، والطير، ففي قصة «زهور إيدا الصغيرة» نجد شفافية عالية، إذ يقص أندرسن حكاية طفلة صغيرة حزينة لأن زهور حديقتها قد ذبلت، لكن مخيلة الكاتب تجعل من زهور إيدا الصغيرة كائنات رقيقة ملونة تغني، وتتكلم، وترقص...فتمضي معها إيدا الصغيرة وقتا ممتعا، وحين تذبل هذه الأزهار من جديد، تقول لإيدا بان تدفنها في الحديقة لتنبت من جديد في الربيع القادم بألوان وأنواع مختلفة وجميلة، وفي قصة «القداحة» يتحدث الكاتب عن القدر الذي قاد جنديا معدما لأن يعثر على قداحة تحقق له أي مطلب، وبعد سلسلة من المغامرات اللطيفة يستطيع هذا الجندي ان يملك ثروة طائلة ويتزوج من بنت الأمير ويعيش في سعادة، أما قصة «كلاوس الصغير وكلاوس الكبير» فهي تدين استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وتسعى إلى إيصال فكرة تقول بان الأمور لا تبقى على حالها كما قال، أيضا، الشاعر العربي: (لكل شيء إذا ما تم نقصان / فلا يغر بطيب العيش إنسان//هي الأمر كما شاهدتها دول / من سره زمن ساءته أزمان)، وهكذا فان كلاوس الكبير الذي كان غنيا يغدو فقيرا، بينما كلاوس الصغير الذي كان معدما يصبح رجلا غنيا، وهو لا يقدم أفكاره، ومقولاته بصورة مباشرة بل يضع كل ذلك في قالب قصصي تشويقي، جميل وممتع كما هي الحال مع قصصه المدرجة في هذه المختارات مثل «قطرة المطر»، «ثوب القيصر الجديد»، «زهرة البابونج البرية»، «الأميرة وحبة البازليا»، «الحقيبة الطائرة»، «الحنطة السوداء»...وغيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.