المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر يُطلق مبادرة تقليم أشجار العرعر في منطقة عسير    تعديل مواز ين العرض والطلب مع انخفاض خام (أوبك +)    تعزيز الشراكة بين وزارة البيئة والقطاعات العسكرية    زلزال بقوة 7,3 درجات قبالة ألاسكا مع تحذير من تسونامي    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركي الاعتداءات الإسرائيلية على سورية    عبدالعزيز بن سلمان يبحث مع غروسي مستجدات برنامج الطاقة الذرية    رونالدو يخطف جائزة لاعب الموسم..وجماهير الاتحاد تنتزع"تيفو العام"    الخليج يضم الحارس الدولي"أنتوني"حتى 2027    القادسية يوقّع رسمياً مع المهاجم الغاني"كريستوفر بونسو" حتى 2029    في الشباك    الرياض عاصمة الرياضات الإلكترونية    الأخضر يترقب قرعة الملحق الآسيوي اليوم    «الشورى» يطالب «الصحة» بتحقيق المتطلبات الأساسية لسلامة المرضى    187 ألف مستفيد من مركز خدمات المسجد النبوي    التمسّك بالتي هي أحسن    شباك التذاكر.. حين تروى الحكاية بلهجة سعودية    فيصل بن مشعل يشهد توقيع اتفاقية ثقافية    نائب أمير الرياض يلتقي سفير المكسيك    أمير جازان يزور بيت الحرفيين    المفتي يستقبل مفوض الإفتاء بمكة وعددًا من المسؤولين    سعود بن نايف يشيد بجهود «مكافحة المخدرات»    استعراض خطط البيئة أمام أمير تبوك    أمير نجران يستقبل إمام وخطيب المسجد الحرام    العُلا تجمع بين سكون الطبيعة والمنتجعات الصحراوية    35 مليون عملية إلكترونية عبر أبشر في يونيو    للمسؤول … آبار مركز الحفائر التاريخية بحاجة لأغطية حماية وإضاءة للموقع ومركز خدمات    3770 وحدة سكنية للأسر المستحقة خلال النصف الأول 2025    القصيم: قسطرة قلبية تنقذ رضيعًا من متلازمة داون يعاني من تشوه خلقي    أمير منطقة جازان يستقبل مدير بنك الرياض بمنطقتي جازان ونجران    إيقاف 7 شركات عمرة واستدعاؤها للتحقيق لتسكينها معتمرين في سكنٍ غير مرخص    البليك يطلق البحث عن مصطفى سعيد    إطلاق جمعية سقيا الماء في جازان لتروي عطش ألف أسرة    اكتشاف كوكب غامض يبلغ حجمه ضعف حجم الأرض    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    امطار خفيفة على جنوب المملكة وطقس حار على الشرقية والرياض    حقوق الإنسان تتسلم شكاوى ضد 57 أسرة    بعد توقف عامين استئناف جلسات منتدى الأحساء    خيول أصيلة تحرج الجيش الفرنسي    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ برامج دعوية بمحافظتي بيش وصامطة لتعزيز الوعي بشروط وأهمية الصلاة    متى يجب غسل ملاءات السرير    تحسن طفيف في التلقيح العالمي للأطفال    ما الذي يدمر المفصل    بقيمة 143 مليار ريال.. 454 فرصة مطورة بالقطاعات الصناعية    يسرق بطاقات بوكيمون ب 113 ألف دولار    وافق على تنظيم مركز الإحالات الطبية.. مجلس الوزراء: تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر ل3 سنوات    "فلكية جدة": درب التبانة يزين ليالي الصيف    الهلال يفاوض"نونيز" بطلب من إنزاغي    أبرز سلبيات مونديال الأندية..المقاعد الفارغة ودرجات الحرارة وغياب أبطال أوروبا    ناقل الحطب المحلي في قبضة الأمن    الميدان يشتعل بغارات دامية.. خطة إسرائيلية جديدة للانتشار في غزة    أكدت عدم السعي لتوسيع رقعة الصراع.. إيران تفتح «نافذة الدبلوماسية»    روسيا: تصريحات ترمب خطيرة وننتظر مقترحات كييف.. واشنطن تمهل موسكو 50 يوماً لإنهاء الحرب    إغلاق منشأة تداولت منتجات تجميلية متلاعباً بصلاحيتها    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    استقبل وفداً من هيئة الأمر بالمعروف.. المفتي يثني على جهود«نعمر المساجد»    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدة ضيعت اللبن

يقول لي أحد الزملاء، وقد كنت برفقته في جدة، إن الناس هنا يحتفلون بالمدينة، يخرجون إلى الحدائق والساحات والكورنيش، يفترشون الارض في بساطة ويستمتعون بكل المدينة، وهذا نادر أصلا في المدن السعودية الأخرى. هذه البساطة والتفاعل مع المدينة يقابله إدارة لا تكترث بشيء، لا تشعر بالناس وبحاجاتهم
أتذكر المثل العربي القديم "في الصيف ضيعت اللبن" وفي كل صيف أتذكر ماذا يحدث في جدة، هذه المدينة التي يقبل عليها كثير من السياح السعوديين في هذه الفترة بالذات. جدة مدينة مريحة ومنفتحة وتستقبل الجميع برحابة صدر لكنها في نفس الوقت تقدم لهم أمثلة لعدم المبالاة بمن يعيش في المدينة، وبعدم الاكتراث بقيمة المشاركة في الحياة المدنية. هذه اللامبالاة تمارسها إدارة جدة (الأمانة) دون أن تفكر أن في جدة سكانا وأن هناك من يزورها من باقي مناطق المملكة وأن لهؤلاء حقوقا يجب أن تحترم. موسم الصيف هذا العام قصير جدا، ومع ذلك نجد أن الأمانة قامت بإغلاق مساحات واسعة على الكورنيش بهدف التطوير، وهذا أمر إيجابي ولكن لماذا في هذا الوقت بالذات. إنه سوء التخطيط فقد صحا الناس في جدة على أسوار ممتدة على الكورنيش تمنعهم من ممارسة حياتهم التي اعتادوها، دون أن يبين لهم حتى ماذا يحدث، ويبدو أن الامانة هنا تمارس سلطتها بتفرد ودون التفكير في العودة إلى أحد أو سؤال من يسكن المدينة أو حتى إطلاعهم على ما تنوي عمله، فكيف تخطط الأمانة وكيف تتخذ قراراتها هذا شأن أعلى ليس للناس أي دور فيه، كما أن مسألة كيف يخطط الناس لإجازاتهم وكيف يقضونها مع أبنائهم فهذا ليس من اهتمامات الامانة.
يقول لي أحد الزملاء، وقد كنت برفقته في جدة، إن الناس هنا يحتفلون بالمدينة، يخرجون إلى الحدائق والساحات والكورنيش، يفترشون الارض في بساطة ويستمتعون بكل المدينة، وهذا نادر أصلا في المدن السعودية الأخرى. هذه البساطة والتفاعل مع المدينة يقابله إدارة لا تكترث بشيء، لا تشعر بالناس وبحاجاتهم. المشكلة هنا تكمن في هذه الفجوة بين من يدير المدينة وبين من يسكنها، هذه الفجوة يجب أن تردم، لأنه يجب أن نذكر هنا أن المدن تبنى من أجل الناس لا من أجل أن يكون لها بلدية تقوم ببنائها. من يسكن المدينة هم من يصنع عمارتها لا البلديات والأمانات. الناس في جدة رغم إدارة الامانة السلبية ورغم الكوارث التي مرت بها المدينة هم من يعطي هذه المدينة شخصيتها، ليست الشوارع ولا البنايات هم يجبرون الأمانة على العودة للصواب. كنت أقول دائما إن المدينة يجب ان تكون لكل الناس، فقد كنت ألاحظ كبار السن من النساء وهم يجلسون في في احد الاسواق التجارية (مركز البحر الأحمر) وهن على كراسي العجلات، كن يستمتعن بمشاهدة الحياة والتي تعني لهن الناس. كان بعضهن في السابق يخرج إلى الكورنيش ويشاهد سكان المدينة وهم يحتفلون بهذا المكان، لم تعد هذه الفرصة متاحة مع تحولات المدينة وتراجعها الانساني. يجب أن أؤكد هنا على ان ما يصنع المدينة هو هذا التفاعل الانساني الذي يجب أن ينعكس على عناصر المدينة والذي يجب على من يدير المدينة أن يعيه ويعمل على تحقيقه. انفصال الامانة عن الناس يعني "مدينة فاشلة" مهما كانت المشاريع التي تنفذ داخلها.
مشكلة الامانة تكمن في أنها لا تفكر في ما يحتاجه الناس بقدر ما تفكر في تنفيذ خططها "الورقية" فحتى الان مثلا نرى الاسوار ممتدة على كورنيش جدة دون أن يكون هناك أي عمل ينفذ (ويبدو أن سكان جدة أجبروا الأمانة على التوقف حتى يمر الصيف)، تمنع الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية وتمتد المشاريع إلى سنوات دون أن تفكر في المعاناة التي يعيشها الناس، هذه الاشكالية أصلا تجعل من اي مدينة مكبلة حيث هناك جهة واحدة تسيطر عليها ويد من يسكنها لا حول لها ولا قوة، فهم محرومون من المشاركة في اتخاذ القرارات، وحتى مع وجود المجلس البلدي (الذي يظهر في صورة باهتة جدا) لم تتغير هذه الثقافة حتى أن الناس لم يشعروا أصلا بوجود المجالس البلدية، ولعل هذا يفسر عدم الاقبال على الترشيح أو الانتخاب لهذه المجالس في دورتها الثانية. فما يحدث في كل مدن المملكة يهمش المجلس البلدي ويدفع به خارج دوره الذي كان يجب أن يقوم به. الهدف هنا هو المشاركة الاجتماعية واحترام الناس في اي بيئة عمرانية، وهذا يتطلب تخطيطا بعيد المدى وإشراك الناس في هذه الخطط بل وحثهم على هذه المشاركة وفتح جميع الابواب لها، لأنها تعني وبكل بساطة نجاح هذه المشاريع واستمراريتها وتعني بشكل أوضح رضا الناس عن مدينتهم وهذا هو الأهم من وجهة نظري.
كان يفترض أن يفتح المجلس البلدي المشاركة الاجتماعية في اتخاذ القرارات العمرانية وأن يعزز التواصل بين البيئة العمرانية ومن يسكنها. كان لهذه المشاركة أن تصنع هوية المدن في المملكة وأن تجعل منها مدنا "مستدامة" والحقيقة أنني مؤمن أن أولى خطوات الاستدامة "المدينية" تبدأ من "الاستدامة الاجتماعية"، وهذا لايمكن أن يتحقق في ظل إدارة عمرانية تعمل منفردة ولا تعير احدا اي اهتمام. ما لا يدركه المسؤولون في الامانة أن مشاركة الناس تحمي الامانة أولا وتجعل من كل مشاريعها مقبولة ومرضيا عنها، لكنهم للأسف يضيقون ذرعا، حتى أن بعض المجالس البلدية النشطة اصطدمت بقوة مع البلديات لأن البلدية تعودت ألا يحاسبها أحد.
في اعتقادي أننا بحاجة إلى تغيير هذه الثقافة التي لم تعد تجدي. ويكفي الكوارث التي مرت بها المدينة السعودية وجدة على وجه الخصوص، فتلك الكوارث لم تكن لتحدث لو أن للسكان رأيا فيما يعمل في مدينتهم. نحتاج إلى "ثقافة مشاركة" و"ثقافة تواصل" بالاضافة إلى حاجتنا الشديدة إلى تعزيز دور ساكن المدينة فهو المسؤول الاول عن مدينته. هذه التصور يجب أن يكون جزءا من مفهوم "المواطنة" الذي نسعى لتحقيقه، فكلما ازدادت مساحة المشاركة الاجتماعية زاد حجم المسؤولية الاجتماعية في نفوس الناس، وازداد تعلق الناس بالمكان الذي يعيشون فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.