لي رأي في تكرار كلمة الطاغية في إعلامنا العربي وحواراتنا الفكرية وكتاباتنا في الأعمدة الصحفية. فأيام صدام حسين لم يتجرّأ أحد من عاملي مخابز الإعلام في العواصم العربية والغربية بإطلاق تلك الصفة عليه. وكذا في الأيام الأخيرة بعد فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. أقول إن الأول والأخير لم يعودا طغاة فقد انتهى أمرهما بالموت أو الهروب. وفي التنزيل العزيز: " ونَذَرُهُمْ في طُغْيانِهِم يَعْمَهُون" . الطاغِيَةُ ملك الروم. في تفسير مواز.والطاغِيةُ: الصاعقةُ.وقوله تعالى: "فأمَّا ثَمْودُ فأُهْلِكوا بالطاغِيَة"؛ يعني صيحةَ العذاب. وربط البعض بين الطاغية والطاغوت فقالوا :الطاغوتُ: الكاهن والشيطان، وكلُّ رأسٍ في الضلالة؛ قد يكون واحداً، قال الله تعالى: "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوتِ وقد أُمِروا أن يكفُروا به" وقد يكون جمعاً، قال الله تعالى: "أولياؤهمُ الطاغوتُ يُخرِجونَهُمْ". وفي التنزيل وجدنا كلمة الطاغوت تُذَكَّرُ وتُؤنَّث؛ قال تعالى: والذين اجْتَنَبُوا الطاغوتَ أَن يَعْبُدوها . آتي إلى القول: إن الإعلام العربي وجدها فرصة لكسر حاجز الخوف، فأتى بأوصاف تُنفّس عن كل إحباطاته التي عانى منها سنين مضت. من يتابع التاريخ السياسي للعالم تلفته ظاهرة غريبة تتلخص في أن صفة الطاغية كانت في الغالبية العظمى للحكام الذين حكموا الشعوب في الشرق والغرب ويلاحظ أيضا أن هؤلاء الطغاة كانوا موضوعاً للكراهية والخوف ولم يكونوا أبدا موضوعاً للحب والإعجاب، ومما يدل على هذا في الحياة الغربية أن القوانين الدستورية لم تصدر إلاّ بعد ثورات شعبية أو بعد ضغوط قوية على الحكام، فقانون العهد الأعظم الذي صدر في إنجلترا عام 1215 للميلاد هو أول وثيقة مدونة بعد ثورة الأشراف والكنيسة على الملك جون فتحررت الكنيسة وتحددت حدود الملك الإقطاعية ويدل على ذلك أيضا الثورة الكبيرة التي قامت في فرنسا عام 1789 للمطالبة بحقوق الشعب والعمل على احترام حريته وصدر إعلان حقوق الإنسان الذي أصبح وثيقة عالمية أخذت عنه مختلف الدساتير الأوروبية. الشاعر التونسي أبو القاسم ألشابي أورد الكلمة طغاة وطواغيت ( حسب النقل فقال : يَقُولونَ: «صَوْتُ " المُسْتَذِلِّين" خَافِتٌ وسمعَ طغاة الأرض "أطرشُ" أضخم والشطر الثاني جاء في بعض النسخ هكذا : " وسمعُ طواغيت التجبّر أضخم "