تعرَّض الشعر الشعبي على مدى ثلاثة عقود –أو أكثر قليلاً- لهجمات متتالية تهدف في معظمها لمُحاربته ووقف شيوعه بين الناس، فالشعر الشعبي في نظر كثير من خصومه شعرٌ فاسد اللغة ومُفسد للذائقة، ويُشكل في رأيهم خطراً كبيراً يُهدد اللغة العربية الفصحى؛ وبالرغم من كثرة أعدائه وكثرة ما كُتب من مقالات وأُلف من مؤلفات مُعارضة استطاع الشعر الشعبي مُخالفة التوقعات بالقضاء عليه ووأده، وتمكن من جذب اهتمام الناس بمختلف شرائحهم وأعمارهم ومستوياتهم الثقافية بصورة تفوق ما كان عليه مع بداية تلك الهجمات، وخلال السنوات الأخيرة أيضاً ازداد عدد الشعراء الشعبيين وتضاعف عدد الصحف والمجلات والقنوات التي تُعنى بنشره وإذاعته بين المتلقين. إذاً فقد أصبح الشعر الشعبي كائناً حقيقياً له حضوره القوي الذي لا يُمكن إنكاره أو حجبه عن الأنظار، ومع ذلك لا يمنع الأمر من تشبيهه بكائن خرافي اسمه (الغول) خلقه خيال العرب القدماء، فالغول بحسب موسوعة أساطير العرب: "اسم لكل شيء من الجن يعرض للسُفار ويتلوَّن في ضروب الصور والثياب ذكراً أو أنثى .. وقد تتصور للسابلة إذا توحدوا في الفيافي والقفار.. وقد توقد لهم نار بالليل للعبث بهم"، ويأتي تشبيهنا للشعر الشعبي بالغول من جهة اشتراكهما في سمتين رئيسيتين، أولهما كثرة المزاعم التي نسجها الخيال لتضخيم خطر كل منهما: الشعر الشعبي على اللغة العربية والغول على الأبرياء المسافرين ليلاً، وكذلك نجد في موسوعة أساطير العرب إشارة إلى أن الغول بحسب زعم العرب "إذا ضُربت ضربة ماتت إلا أن يُعيد عليها الضارب قبل أن تقضي ضربة أخرى فإنه إن فعل ذلك لم تمت"، وشيء شبيهٌ بهذا حدث للشعر الشعبي الذي أدى الهجوم المتواصل عليه لنتيجة عكسية وغير متوقعة، وزادته الضربات والهجمات المعارضة شيوعاً وازدهاراً وقوة، وهذه سمة أخرى تُقرِّب بين الغول وشعرنا الشعبي. والأمر الملاحظ في الآونة الأخيرة هو كثرة الآراء التي يطرحها بعض الكُتاب على أنها رؤى استشرافية لمستقبل الشعر الشعبي، وتتركز تلك الآراء في مجملها على القنوات الشعرية والقول بأنها ستتبع المجلات الشعبية في التقهقر والضعف ومن ثم التوقف، وفي اعتقادي أن هذه الأمر لا يُمثل رؤية استشرافية بقدر ما يُمثل حقيقة حتمية يدركها كل عاقل وتنطبق على كل ما في هذه الدنيا بما في ذلك الشعر الشعبي. أخيراً يقول المبدع عبدالله الطلحي: يا مضحّك الناس ما يِطري عليك الفضول الناس تضحك معك وإلا عليك إضحكت إن كان منته بقايل شيء يملا العقول الصمت خير إلك من ترديد بعض النكت محدٍ بقايل لراعي الصمت ليته يقول لكن كم قيل للهرّاج ليته سكت!