البيان المشترك لرئاسة المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    أهمية اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك بين السعودية والباكستان    مكتب أبها يحصل على شهادة الأيزو 9001 في الجودة    100 شاب يبدؤون رحلتهم نحو الإقلاع عن التدخين في كلاسيكو جدة    تعزيز التنافسية السعودية عالمياً.. توطين التقنيات والصناعات الذكية    تقديم تجربة تنقل حضرية متكاملة.. قطار سريع يربط القدية بمطار الملك سلمان    أقوال خالدة في ذاكرة الوطن    مسيرة تنمية تعانق السماء.. عزنا بطبعنا.. وفخرنا بإرثنا    دبلوماسية تبني الاستقرار.. السعودية.. وسيط الثقة وصوت السلام الدولي    إسرائيل تحذر من عملية برية واسعة في لبنان    اسكتلندا: إسرائيل ترتكب إبادة في غزة    جروهي يقود الشباب لثمن نهائي كأس الملك    الهلال يقصي العدالة بصعوبة    في نهائي كأس إنتركونتنتال للقارات.. الأهلي بطل آسيا في مواجهة بيراميدز المصري بطل أفريقيا    قاطرة قوية ومعدلات تاريخية.. 56 % من الناتج المحلي غير نفطي    حفاظاً على جودة الحياة.. «البلديات»: 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية    الأمن يحبط تهريب 145.7 كجم مخدرات    «كلهم بيحبوا» ياسر جلال في رمضان    ساره السلطان تفوز بمسابقة «كأس العالم للرسم»    اليوم الوطني.. وحدة وبناء    يومنا الوطني المجيد    رسمة طفل قالت ما عجزت عنه الخطب    انعقاد مؤتمر حل الدولتين برئاسة سعودية - فرنسية    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري بشأن خطة إعمار غزة    العلا وجدة والجندل في صدارة "يلو" بالعلامة الكاملة    الدهامي والراجحي يتألقان في بطولة تطوان المغربية    محمد.. هل تنام في الليل؟    الذهب يسجّل مستويات غير مسبوقة مع رهانات خفض "الفائدة"    اليوم الوطني ال 95.. استقرار وتنوع اقتصادي    القوات الأمنية تستعرض عرضًا دراميًا يحاكي الجاهزية الميدانية بعنوان (حنّا لها)    الأحوال المدنية تشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    غارات ونسف مبانٍ وشهداء ودمار في غزة    السعودية وباكستان.. تحالف التاريخ ورهانات المستقبل    المسعري: يوم الوطن مناسبة تاريخية نعتز بها    اليوم الوطني ذكرى عزيزة ليوم مضيء    اليوم هذا غير الأيام بالذات    "إثراء".. منارة سعودية تضيء العالم    جمعية "أوج" تنظم أمسية شعرية    ملحمة الفتح ومجد النهضة.. قصة وطن يتجدد مجده    الوطن واحة الأمان    عزنا بطبعنا.. المبادئ السعودية ركيزة    في اليوم الوطني السعودي 95 الواقع يسبق الحلم    تسعون وخمس.. الرَّقم الذي يُشبهنا    مصر تسطر التاريخ وتتوج ببطولة كأس العالم لكرة القدم المصغرة للسيدات في أربيل    ماذا تعني كلمة الوطن    إنها السعودية يا سادة    عثمان ديمبيلي يتفوق على لامين يامال ويتوج بالكرة الذهبية 2025    المسجد النبوي.. إرث العناية ومسيرة الإعمار    عظيم أيها الوطن    الثانية عالميا.. موسم استثنائي للمنتخبات السعودية العلمية    تعليم جازان ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال95 تحت شعار «عزنا بطبعنا»    استخدام الهاتف المحمول أبرز مسببات الحوادث المرورية بمنطقة مكة    هيئة عسير تفعّل المصلى المتنقل في عدد من المتنزهات والحدائق العامة    المملكة تعزز مسيرة التعافي الصحي في سوريا عبر الطب العابر للحدود    القبض على شخصين لترويجهما «الشبو» بالشرقية    فاحص ذكي يكشف أمراض العيون    الجلوس الطويل يبطئ الأيض    مخاطر الألياف البلاستيكية الدقيقة على العظام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل الوطن
نشر في الرياض يوم 29 - 12 - 2009

لعل من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الكثير، هي المساوقة بين الانتماء والولاء وكأنهما حقيقة واحدة.. مع العلم أن الانتماء إلى أي دائرة تاريخية أو ثقافية أو عائلية أو قبلية هو معطى موروث لا كسب حقيقي للإنسان فيه.. فلإنسان لا يتحكم في القبيلة التي ينتمي إليها، كما أنه ليس بمقدوره أن يمتنع من الانتماء إلى عائلة محددة.. لأن هذه الأمور كلها معطى موروث يولد مع الإنسان ،لذلك فلا دخل له به ..
بينما الولاء هو خيار يتخذه الإنسان ، ويرتب على ضوئه بعض المواقف والسلوكيات ..فالإنسان يولد في عائلة ومن قبيلة ولا يختارهما ، في حين أنه يلتزم بوطن أو قومية أو عقيدة .. ويمكن للإنسان أن تتعدد انتماءاته لكنه من الضروري أن يتوحد ولاؤه .. ولا تناقض بين تعددية الانتماء وواحدية الولاء ..
لهذا من الضروري العناية بموضوعية الأسباب الوطنية والمجتمعية الكفيلة التي تجعل مفهوم الولاء مفهوما متسقا مع جوهر الانتماء الحضاري والتاريخي للإنسان ..لأن الولاء يقوم على عقد اجتماعي يحقق الأحلام والمصالح ..
وإن أي خلل في دائرتي الانتماء والولاء، يعني على المستوى العملي تأسيس لمجموعة من المشاريع، أما مشاريع حروب، أو مشاريع ضياع وفقدان البوصلة الناظمة لاتجاه الحركة الاجتماعية..
وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد أن بلورة مشاريع ذات مضمون وطني جاد بعيدا عن التوترات التاريخية أو الثقافية ، هو الأسلوب الأمثل لإيجابية الانتماءات الموضوعية في الدائرة الوطنية .. أما الإلغاء أو التغافل عن هذه المضامين الموضوعية ، وعدم إدراك خصوصياتها ، لا يؤدي إلا إلى المزيد من تشبث أهل هذه المضامين بانتمائهم ..
وإن البديل الذي نراه ممكنا لحالات التنازع والصراع بين الانتماءات الموضوعية والتنوعات الثقافية هو التعايش المشترك بين هذه المضامين على قاعدة المشترك الإنساني والوحدة الوطنية والمصالح الحاضرة والمستقبلية .. والتعايش هنا مفهوم متكامل ، بمعنى أن الإنسان أو الجماعة التي لا تستطيع التعايش مع الآخرين ، لا يمكنها أن تتعايش في داخلها وبين أجزائها المتنوعة والمتعددة ..ولهذا فإننا نرى مفهوم التعايش السلمي مفهوما حضاريا ، لا يؤسس للعلاقات بين التنوعات والتعدديات في داخل المجتمع فحسب ، بل يؤسس للعلاقة السليمة في داخل الإطار الواحد أيضا ..
وفي المقابل فإن الحروب الاجتماعية أو الانعزال وتأسيس كانتونات اجتماعية وثقافية على قاعدة واحدية الانتماء، لا تصل إلى نتيجتها المرجوة بل في معظم الأحيان تكون هذه الخيارات مدمرة لأصحابها. ودائما العلاقة السيئة مع الانتماءات الموضوعية، لا تصنع مشاريع وطنية بقدر ما هي تسقط مشاريع وخيارات.
فهي علاقة تشكل ظروفا ذاتية وموضوعية لإسقاط مشاريع دون أن تمتلك القدرة على إنتاج مشاريع بديلة. لهذا فإن هذا النمط في التعاطي مع الأمور، يدخل العباد والبلاد في دوامة من العنف و العنف المضاد، دون أن تبلور فرصة حقيقية في البناء وإعادة الالتحام الوطني.
والتعايش الذي نقصده بين التنوعات والتعدديات الموضوعية لا يعني انطباق وجهات نظر الجميع في كل القضايا والأمور، وإنما يعني العمل على تأسيس وحدة اجتماعية ووطنية ترعى مصالح الجميع ويشارك في بلورتها الجميع ..
فالأوروبيون يعيشون على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية التناقض والصراع والمنافسة الحادة، فلا الفرنسيون يحبون الألمان، ولا الإيطاليون يفضلون الإنجليز، ولا البرتغاليون يحبون اليونانيين، ومع ذلك تجتمع قيادتهم لتؤسس وحدة اقتصادية وسياسية كبرى قادرة على تحقيق مصالحهم، بصرف النظر عن مشاعر الشعوب الذاتية..
لهذا فإن المسؤولية الوطنية تدفعنا إلى ضرورة العمل على تجديد نمط العلاقات الاجتماعية على قاعدة التعايش بين مختلف التنوعات والتعديات ..وفي هذا الإطار من المناسب التأكيد على النقاط التالية :
ضرورة وجود وبلورة البرنامج الناضج ، الذي يبلور خيار التعايش ويعمق قواعده في الوسط الاجتماعي .. فلا نكتفي بوجود شخصيات تحبذ هذا الخيار ، وتستأنس بطرحه .. وإنما نحن بحاجة إلى قوى اجتماعية وطنية ، ترى في التعايش المجتمعي مشروع حاضرها ومستقبلها ..
ضرورة تغيير منطق التعامل والنظر إلى الأمور والقضايا ..إذ أن من الأخطاء الجسيمة التي قد يرتكبها البعض ، هو أنه يتعامل مع الشأن التعايش المجتمعي بمنطق القطيعة والتصادم .. لذلك يبقى شعار التعايش جافا ومجردا وبعيدا عن الواقع ، وتمارس ليل نهار تصرفات وتتخذ مواقف، وينظر إلى أشياء بعين وبمنطق بعيد كل البعد عن منطق التعايش والتسامح المجتمعي ..
لهذا فإن المطلوب ليس فقط رفع شعار التعايش المجتمعي ..وإنما المطلوب هو تغيير منطق النظر إلى الأشياء .. إذ أن الكثير من الصراعات والحروب الاجتماعية ، هي وليدة منطق حرب وقطيعة وتعصب أعمى .. وإن البوابة الأساسية لإشاعة التعايش المجتمعي ومتطلباته ، هو إيجاد منطق سلمي في التعامل مع كل القضايا والأمور ..
وإن الشيء الذي يجب تجاوزه لتحقيق مفهوم التعايش في الواقع الخارجي ، هو منطق الإلغاء وعقلية التميز الوهمية ، لأنها هي التي تربي النفوس وتشحنها بأساليب الإلغاء والنفي ، كما أن هذا المنطق يغبش الرؤية ويجعلها غير واضحة ..
خلق البدائل : ولا شك أن هذه العملية صعبة ومعقدة وتحتاج إلى زمن طويل .. إلا أن الخطوة الأولى التي تؤهلنا لصناعة البديل وإنضاج أفكاره هو تعريف الذات تعريفا سليما وواقعيا . إذ أن النظرات الخاطئة التي يحملها الأطراف عن بعضهما البعض ، هي من العوامل الأساسية للتباعد والتناقض الواقعي بين التنوعات الموضوعية ..
وينبغي في هذا السبيل ، أن نختار وسائل التعبير والتعريف الصحيحة التي تجعلنا نرسم صورة واقعية عن ذواتنا والآخرين ، ولا بد أن نبدع أساليب سلمية لتطوير مستوى التعايش الوطني ومجالاته ..
وجماع القول: إن التعايش المجتمعي، ليس حقيقة جاهزة ومغلقة، وإنما هي إطار مفتوح تثريه كل الخطوات والمبادرات والإبداعات الإنسانية التي تتجه إلى إعلاء المشترك الإنساني.. وبهذا يكون خيار التعايش المجتمعي هو مشروع المستقبل..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.