نُشر في الصفحة الأولى من هذه الصحيفة يوم الأربعاء 3سبتمبر 2008خبر حول رفض وزارة التربية والتعليم ترشيح أحد خريجي الجامعة وهو حسين الشمري لتدريس اللغة العربية نتيجة ماكتبه مشرف التربية الإسلامية -عضو لجنة مقابلة المرشحين- بأن سبب حرمانه من الترشيح يعود "لكونه مدخنًا ولضعفه في مبادئ علوم الشرع". مع العلم بأن الشمري متفوق في تخصصه وقد تخرج بمعدل 4.31من أصل 5.00من قسم اللغة العربية في جامعة الحدود الشمالية، وحصل أثناء المقابلة الشخصية التي عقدت له في الرياض على درجة 45من 50في تخصصه. ويقتضي نظام مقابلة المتقدّمين لمهنة التعليم أن تسير المقابلة وفق نظام يحدد نصف الدرجات للتخصص، والنصف الآخر موزّع على حقول أخرى منها الثقافة الإسلامية التي تأخذ 20درجة. وتأتي تلك المقابلات للتأكد من صلاحية المرشحين لمهنة التعليم، ومن الطبيعي أن يكون التركيز أثناء المقابلة الشفهية على التعرف على مستوى المتقدم في المادة العلمية ومستواه في الجانب الفكري والسلوكي. وبالنسبة للمادة العلمية، فهناك عدة وسائل للتأكد من قدرته العلمية في تخصصه، منها إجابات المتقدّم عن الأسئلة، وطريقة فهمه وتعبيره عن الأفكار، ومنها سجله الأكاديمي أثناء دراسته الجامعية؛ فهذه وسائل تساعد الممتحن على التعرف بشكل دقيق على مستوى المتقدم. أما الجانب الفكري والسلوكي فيختلفان في كونهما يخضعان لقياسات يصعب التحقق منهما تجريبيًا إلا عن طريق دراسة الشخصية وما يقتضيه ذلك من تعريض الفرد لمواقف وتجارب متعدّدة واستنباط السمات من خلال النمط التكراري الذي تمر به الشخصية وهي في حالة طبيعية. وعليه فإن القول بإمكانية التعرّف الشمولي على فكر الشخص وسلوكه من خلال جلسة قصيرة أمر غير دقيق، وكل ما يمكن الحصول عليه هو مجرد انطباع لايجب الاعتماد عليه واعتباره حكمًا مع الشخص أو ضدّه. ولكن هذا الانطباع مهم ليس لذاته ولكن لأنه يقود إلى خطوة لاحقة قد تؤكد الانطباع وقد تنفيه. ولو ضربنا مثلا بنموذج سلوكي كالشخص أحادي التفكير (الذي يؤمن برأي واحد وفكر محدد، ويرفض من يخالفه، ثم يعاديه، وربما يُقصيه معنويًا أو حسيًا) فإنه يمكن الخروج بانطباع عن فكره من خلال إجاباته القطعية، وحدّة سلوكه عند التعبير عمّن يخالفونه الرأي. ولكن هذا لايكفي للوصول إلى حكم بأنه أحادي التفكير، بل يلزم تعريضه لمواقف مختلفة تشمل خمس مجموعات سلوكية هي: الانتماء، الهوية، العادة، الذوق، الهواية. وكل مجموعة يتعرّض الفرد من خلالها إلى ثلاث حالات إحداها تؤيد اتّجاهاته والأخرى تعارضها، والثالثة تجمع بين التأييد والمعارضة. ويتطلب الأمر رصد استجابته لكل موقف، ثم النظر في النمط التكراري لسلوكه لكي نتأكد بالفعل بأنه أحادي التفكير حينما نجد جميع أو أغلب ردود فعله تتّخذ جانبًا معينًا لدرجة يمكن التنبؤ بنمط استجابته مع المواقف الجديدة. وهذا الإجراء غير متحقق في أساليب المقابلة الشخصية السريعة التي تعقد للمتقدّمين، ولهذا فإن أي حكم فكري أو سلوكي ينبغي أن يستند إلى مسوغات وأدلّة قابلة للاختبار والتحقق من نتيجتها. ومع أن وزارة التربية والتعليم لا ترى في التدخين سببًا في الحرمان من الترشيح إلا أنها اتخذته وسيلة للحكم عليه بالضعف في مبادئ الشرع. وهذا حكم يصعب التثبت من صحته، ويدل على خلل فكري يفترض تجنيب المعلمين والطلاب من الوقوع فيه، فكيف تقع فيه الوزارة نفسها ممثلة بالمشرف الذي اختارته لإجراء المقابلات؟ إن الحكم على سلوك الشخص وعقله يتطلب أدلة وبراهين ونتائج متطابقة، وهو مالا يتوافر في الحكم السابق، وخاصة أن هذه الصحيفة نشرت سجل الشمري الأكاديمي وعلاماته التي حصل عليها في مواد الثقافة الإسلامية أثناء دراسته الجامعية، وهي درجات تثبت أنه ليس ضعيفًا. ويبدو أن وزارة التربية والتعليم تخضع لسطوة الروتين والبيروقراطية بسبب عجز المسؤولين عن إعادة النظر في تقويم الشمري وأمثاله من ضحايا الأحكام الجاهزة التي تعتمد على المظهر. إن أي مسؤول يخاف الله ويؤمن بأمانة عمله يعرف أن هذا الشخص لم يشتكِ ويعرّض نفسه للتنقل والسفر من عرعر إلى الرياض والانتظار الطويل في حر الصيف ومراجعة مكاتب الوزارة يوميًا إلا وهو جادّ في مطالبته، وأنه يشعر شعورًا لا يساوره الشك أنه مظلوم. والمسؤول الحقيقي هو الذي يأخذ شكوى هذا المواطن مأخذ الجد ويحقق فيها ويصحح الخطأ إن وجد، ولايهدأ له بال حتى ينزع مخاوف الشخص ويُبدّد عنه الشعور بالظلم على اعتبار أنه شعور قاتل قد يقود إلى مالا تحمد عقباه. هذا المواطن ليس مجرد رقم، ولكنه حالة إنسانية كاملة، وتعامل الوزارة مع هذه الحالة يكشف عن طبيعة السلوك الذي يصبغ منهج الوزارة. ومادامت الوزارة ترضى بمثل هذا الظلم الواضح، فهذا يفتح المجال إلى التوقّع بأن حالات أخرى قد تتعرض للظلم وانتهاك الحقوق دون أن تجد من ينصفها. ولابد من تكرار القول بأن قطاع التعليم يعد من أكثر الجهات أهمية في بناء مجتمع صحي لأنه يرعى عقول الأجيال الناشئة التي نعول عليها الآمال في النهوض بالبلد واستثمار مقدراته. ومن المهم أن يكون القائمون على هذا الجهاز الحسّاس من الكفاءات التي تبني القيم والمبادئ الحضارية التي تقوم عليها العملية التعليمية الراقية.