تخيلوا الحب في الجنة

الجانب الابيض

دعونا نسترخي قليلا لنتحدث عن الحب الذي لم نقرأ قصائده.. عن العشق الذي لم يحرق الأكباد بعد، وعن الأمواج التي نتوق ان تجرف قلوبنا يوما. ما شعورك وقد همت وهامت بك غادة لو تهادت على احد ارصفة الدنيا، لفتنت الزهاد ولأذهلت الزعماء عن كراسي حكمهم وشعوبهم والأثرياء عن ارصدتهم وحساباتهم، ولتوقفت بالبقية آمالهم وأحلامهم للطواف جنوناً حولها، ولتحولوا الى دواوين شعر وتأوهات.. الى متيمين بفتنة وعبير يتضوع من كل ذرة من جسدها، وبعزف العطر لكل خصلة من شعرها، ولكل نفس من أنفاسها؟ يالها من كاملة ابدعها الله، لا تجد فيها شيئا ناقصاً او زائدا او عيبا او غير مرغوب فيه او يحتاج لصيانة، او متغيرا الا الى الأروع، لا تجد في اخلاقها سوءاً أو بذاءة.. فاتنة لن تجد في الجنة لوحة كتب عليها: (عيادة امراض النساء) تختال بكل ثقة وسط جنة انتهى فيها زمن الولي والمحرم والوصاية والسلطات والمحرمات، لا تخشى في الجنة تنافس الرجال ثراء وحرية واكتشافاً لا يعرف التوقف لعوالم ساحرة عرضها كعرض السماوات والأرض، فلله وحده سبحانه (لا للرجل) صلت وصامت وتصدقت في دنياها، وهي الآن في جنته تسافر خلال كرمه، تبحر عبر سخائه الذي لا سواحل له، فيمنحها فوق ما تريد، فهو من ناداها ووعدها وبشرها: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) أما انت!! فتخيل نفسك أميرا فاتنا وشخصية جذابة وأخلاقا سامية، لو مشيت في الدنيا مع اجمل البشر (يوسف عليه السلام) لهامت بك النساء وحدك.. اناقة وجمال وثراء دون حدود، وقوام رياضي متناسق ينبض بالحياة، ولا يرشح الا ازكى العطور ولو مارس الرياضة اياماً.. جسد لا يعرف الأمراض ولا التجاعيد ولا الشيخوخة ولا الخوف او العفن او الكسل. كم ثمن هذه المواصفات؟ من يملكها؟ وكم يدفعون للحصول عليها؟
تخيليه بأناقة اهل الجنة، بسحر تقاسيمهم.. يلوح لك بكأسه وهو قادم من بعيد على يخت فاره من الذهب.. يتهادى فوق نهر عريض عذب.. صاف تشاهدين ألوان قاعه المرصع بالجواهر.. ينساب بين ملايين القصور الساحرة.. يرسو على رصيف قصرك المرجاني المدهش.. قصرك الذي تجري من تحته الأنهار.. المزدان كبقية قصورك المتناثرة في مدن الجنة وجزرها ومنتجعاتها بالأثاث الراقي والحدائق الغناء والمسابح والخدم والحشم، والمراكب الفخمة السيارة والمبحرة والطائرة. اتاك ليصحبك الى حفلة من حفلات الجنة.. تلمحينه وأنت بأبهى زينتك وبين وصيفاتك من احدى شرفاتك الحالمة وبين انغامك الساحرة، فيحرضك كيدك عند رؤيته على التشاغل بقطف باقة او مطالعة كتاب او ديوان شعر، كي يأتي كالواله.. يتوسل.. يناشد اميرته شرف مرافقتها؟ ام سيطير قلبك حالما ترينه، فتقذفين ما بيدك في الهواء، وترفين كالفراشة نحوه؟
تخيل هذه القاتلة تنتقيك، وتتفنن في اغوائك وإغرائك والتجوال بقلبك، والسفر بمشاعرك، فأي كلمات.. لغات تليق بجلالتها.. اي شعر يتماهى بسموها ورقتها وعذوبتها..؟ اي شعر سيكتبك وأنت حين لقائها أمير، ولكن عاشق وأسير:
فقل لي بربك ماذا تقول
وماذا لدى الشعر حتى يقول
لغاتك تنهار عند اللقاء
حروفك لا تستطيع الوصول
تموت الحروف وتحيا لها
حروف وشعر جديد الأصول
اتحدث عن لقاء عنوانه رحمة وسعت كل شيء ودروبه التضرع بباب من لا يريد من دعاه.