هناك الكثير من القيم السامية النبيلة التي تجمع البشر من مختلف الديانات والمعتقدات، والدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين لإقامة حوار مع الآخر؛ تضمنت التأكيد على أن هذه القيم الجميلة والنبيلة الموجودة في كل الأديان والمعتقدات يمكن البناء عليها كقواسم مشتركة بين الجميع لخلق علاقات إنسانية قائمة على المحبة والسلام ونشر التسامح والسلم في العالم. وهي ترجمان حقيقي للمعاني السامية للإسلام وتعامله مع البشر أياً كانت أجناسهم أو معتقداتهم، والتي يجب أن يفهمها غير المسلمين. ؟ كيف تقرأون هذه الدعوة التي ستكون محوراً رئيساً في لقاء علماء المسلمين في مكة أواخر هذا الشهر؟ ؟ وما الأسس الرئيسة التي يمكن البناء عليها لإقامة حوار إيجابي ناجح؟ هذان هما المحوران اللذان طرحناهما على عدد من علماء الدين في المملكة والوطن العربي. منهج انفتاحي أشاد الأكاديمي التونسي الدكتور كمال عمران مدير إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم الذي سيكون من المشاركين في هذا المؤتمر العالمي المهم، بهذه الدعوة الكريمة.. وقال ل "اليمامة": "تعتبر دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار مناسبة للعلماء المدعويين لمؤتمر مكة التي تنظمه رابطة العالم الإسلامي للكلام في موضوع يعد من أبرز المواضيع المطروحة على ساحة النقاش بين الأديان والثقافات والحضارات. وإن قراءة الدعوة تفهم بالمكانة الرفيعة التي تحظى بها مثل هذه المسائل في المملكة العربية السعودية. وإنها من العلامات على المنهج الانفتاحي الذي دأب عليه خادم الحرمين الشريفين في الربط بين البشر على قواعد تتخذ الأسس لها من الدين الإسلامي؛ وهو الدين الذي جاء رحمة للناس لا نقمة وفيه الدعوة إلى التعارف لا إلى التباغض وإلى الاستئناس بما هو مختلف دعماً لما هو مؤتلف، والاختلاف في هذا السياق إنما يرجع إلى الآداب التي يرتكز عليها وإلى كون الحقيقة في فهم البشر إنما هي حقائق لا يلتمس إليها السبيل إلا عبر النسبية وهي نسبية لا تبطل معين الحقيقة بقدر ما تجعل لها مسالك متباينة. إن في دعوة خادم الحرمين الشريفين تأكيداً للقيم السامية المنتثرة عند البشر في أديانهم وفي مذاهبهم وفي الآيديولوجيات، وأنها جديرة بأن تجتمع حول مواثيق تؤسس للمشترك الذي يتفق عليه البشر مهما كانت انتماءاتهم، وفي الدعوة مناصرة لمبدأ إسلامي جليل رفعت لواءه الآيات القرآنية كما الأحاديث النبوية الشريفة ومنتهاه إلى قول الله عزّ وجلّ: {.. وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}. ويضيف د. كمال عمران: وفي الدعوة من الانفتاح ما يحوج إلى التخصيص ذلك أن الانفتاح عملية معقدة تفترض توافر عناصر ثابتة منها: - الاضطلاع بالثقافة الخاصة الذاتية اضطلاعاً متيناً وهو ما يعني أن منطلق الانفتاح إنما هو الحاجة إلى التعرف وإلى التفقه الشديد في مكونات الثقافة العربية الإسلامية. - معرفة الآخر معرفة موضوعية تدفع إلى الأخذ بالأسباب ومنها حذق اللغة والتطلع على الخصائص الثقافية الدقيقة والعمل بمبدأ المغايرة وليست المغايرة سوى الإقرار للآخر بحقه في أن يكون مختلفاً عني. - الحرص على أن يعرف الآخر الخصائص الثقافية الذاتية الراجعة إلى المحيط العربي الإسلامي وذلك درءاً لعدم الفهم أو إلى سوئه أو إلى التباغض جراء التنكر للمقومات الثقافية الشخصية. - لهذه العناصر التي تجعل الانفتاح قائماً على ثوابت أصيلة دور في نشر القيم الأصيلة باللطف اللازم وبالأريحية الضرورية. ومن الأسس الرئيسة التي يمكن بها البناء لإقامة حوار إيجابي ناجح: - التمكن من الحِجَاج وهو من العلوم التي تمكن من حسن التحاور ومن حسن الإقناع والحِجَاج هو الأخذ عن العلوم اللغوية اللسانية باعتبار اللغة كوناً خلاقاً والأخذ من الفلسفة المعاصرة التي تدور حول فكرة الصيرورة وهي الفكرة التي تبوّئ المعنى منزلة الصياغة بالحركة لا بالسكون. فالحِجَاج آلية ضرورية للحوار. - التعرف الموضوعي على الآخر في دقائق الثقافة التي يحملها وفي جزئياته ومنها الجانب اللغوي. - الحوار على قاعدة الإفادة والاستفادة لا على أساس التلقين والحرص على جلب الآخر لمحاور نستخرجها من الثقافة الذاتية. مفهوم الدين الإسلامي ويقول أستاذ كلية الشريعة بجامعة الكويت د.بسام الشطي: لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالحوار؛ وهذا مفهوم الدين الإسلامي، وبما أننا نعيش وسط تيارات متعددة ولدينا مصالح لا بد من مواكبة الانفتاح الذي يخدم البشرية فإن الحوار يفتح أمامنا مجالات العمل والتعاون، ويتمثل ذلك في اتفاقات عديدة لا تشوبها شائبة مثل القضاء على الفقر واتفاقية التلوث والقضاء على المخدرات وهذا يعني أن الجميع يتفق على هذه المنطلقات، وأعتقد أن رجالات الدين عندما يتكلمون فإن صوتهم مسموع أكثر، وخادم الحرمين قام مشكوراً بهذه المبادرة ليؤكد أن دين الإسلام دين التسامح ودين لكل زمان ومكان وأننا نخاطب كل الفئات؛ إذ إن البعض يعتقد أن الإسلام دين منغلق إلا أنه في الواقع دين منفتح. ويضيف قائلاً: أتذكر في أحد المؤتمرات عندما قال العلامة بن باز -رحمه الله-: علينا القيام بمشروع نخدم به صالح البشرية ولاسيما في ما يتعلق بالقضاء على الفقر وإيجاد بدائل للتكافل الاجتماعي، هذا أكبر دليل على مايدعو إليه ديننا الحنيف. وعن المنطلقات التي يجب أن تحتويها أجندة المؤتمر قال: وفقاً لمتابعتي وما قرأته فإن الأجندة العامة تضم ما يخدم البشرية بطرح قضايا عامة مثل التعاون في محاربة المخدرات والإجهاض والزنا وما يترتب عليه من مشاكل إضافة إلى قصة الأحقاد ضد الدين الإسلامي والطعن بالرسول صلى الله عليه وسلم، أن يتفق الجميع على عدم التعرض لرموز الإسلام وإعطاء تصور عن الإسلام والحريات به، وأن من يقوم بالأعمال الإرهابية هي زمرة خارجة عن الإسلام. الاحترام المتبادل أعتقد هذه الرسالة التي يريد خادم الحرمين إيصالها بأن يتم الاجتماع مع أهل الدين ويتقاربون ويتناقشون في ما يهم الأمة أجمع. أما د.عايد المناع أستاذ العلوم السياسية، مستشار جمعية الصحفيين الكويتية قال: أعتقد أن دائماً الدعوة لأي حوار هي الوسيلة للوصول إلى قلوب وعقول الناس والدين الإسلامي دين الدعوة بالتي هي أحسن، والدعوة المحمدية قامت على السلام والمحبة وقبول الآخر، وعلى ضرورة أن يكون الاحترام متبادلاً؛ لذلك نجد القادة الإسلاميين الكبار أمثال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب عندما كانوا يدخلون الإسلام يحافظون على الآخرين وأعني حرية عباداتهم، فمثلاً عندما فتح عمر بن الخطاب القدس تجنب الصلاة في كنيسة القيامة ليس لأي سبب، بل سوى تجنب دخول المسلمين فيها وليحافظ على وجودها. المملكة العربية السعودية للأمانة قامت على الوسطية العقلانية والإسلامية العقلانية؛ إذ إن الدعوة كانت بالتي هي أحسن واحترام حقوق الآخرين ومعتقداتهم. وخادم الحرمين من القيادات العربية والإسلامية ذات الأهمية والوزن السياسي الكبير، وبالتأكيد دعوته من خلال التعايش السلمي والحوار مع الآخر وانطلاقاً من العقيدة الإسلامية السمحة التي تعتبر السعودية منطلقها وحاضنتها كانت دعوة خادم الحرمين. أعتقد هذه الدعوة تصدر من قيادة ذات أهمية واختصاص وبالتالي على الأطراف الأخرى الموجهة لها دعوة أن تفكر ملياً بالتعاون الفعلي والجاد لإنجاح الحوار في عالم يئن بالخلافات الدينية والعرقية والمذهبية والطائفية. وعن أهم المتطلبات والقضايا التي يجب أن تتضمنها أجندة المؤتمر قال: أعتقد أن أهمها قضية الإيمان بحق الآخر بالعبادة واحترام القيم الدينية للآخرين، وكذلك العمل على أن ينظر الغرب على وجه الخصوص إلى الإسلام كدين محبة وسلام وليس إرهاب وفوضى وقتل؛ لأن ما يصور الآن الإسلام يصوره سلبياً نتيجة قيام بعض المسلمين بأعمال تتنافى مع الإسلام فهؤلاء لا يستهدفون الغرب فقط، بل بلاد المسلمين ومنها السعودية. السعودية هنا دورها محوري لأنها دعت للمؤتمر وما لها من مكانة في العالم الإسلامي الواسع وهذا ما عودتنا عليه. إحقاق الحق من جانبه يقول الشيخ الدكتور حمد الحيدري عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إن دعوة خادم الحرمين الشريفين لمثل هذا الحوار من أجل الحوار مع الآخرين لتوضيح المعاني السامية لدين الإسلام وتعامله مع البشر ونقاء العقيدة وفق ما ذكر في القرآن لإحقاق الحق. وعن الأسس الرئيسة التي يمكن البناء عليها لإقامة حوار إبجابي ناجح يقول الشيخ الدكتور حمد الحيدري: أهم هذه الأسس هو التقيد بالحوار الوارد في سورة "آل عمران"، وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما حاور النصارى.. ثم إحقاق الحق والعدل، والإسلام هو الحق ولنبين ذلك للآخرين بالأدلة والبراهين الثابتة في القرآن والسنة.. وإزالة الشبهات عن الإسلام وتوضيح جوهره على وجهه الصحيح وليس كما يثير الآخرون حوله سواء عن جهل أو عن بغض وعداء.