شروق.. كانت شروق ولا تزال بإذن الله تعالى.. تلك الصبية.. المشاغبة.. كثيرة الحركة، صاحبة التعليقات الساخرة.. الضاحكة.. كان لها صفحة أخرى.. عالم آخر في حياتها.. لم تتخيل للحظة واحدة بأنه بحجمه الشاسع، برحابته الواسعة.. سيكون يوما أضيق من خرم أبرة.. كانت تقف ومعلمة الانجليزي تسمع الى الإجابة فتعجب لإتقانها إياها وتسألها: جيمل.. قود.. من معلمك..؟؟ فتجيب.. ابن عمي!!! فيضج الفصل بالضحك واللمز والغمز.. وهي تستعجب لذلك.. فليس هذا بمستغرب وهي التي منذ أن وعت على الدنيا وهي تعيش صحبته ولا يفصل منزلهما غير الحديقة الغناء التي شهدت أروع الألعاب عبر طفولتها معه.. وهو يبني لها منزلا في المربع الرملي ويكوم فوقه القباب من علب المشروبات الفارغة، ينمقها ويرصها بشكل جميل جذاب، ويشير لها بأن الطابق العلوي يضم غرفتهما وأطفالهما معا.. كانت تخاف عليه كأنه جزء من كيانها.. قلبها الذي لا يمكن أن تعيش بدون نبضه!!!. مضت الأيام لتتخرج وتلتحق بالجامعة وهي تعيش الوعد.. الأمل.. كل ما فيها يتخيل لحظة الاندماج به ومعه.. كان عالمها الذي لا يتبخر.. كان كيانها ومستقبلها وأمانها إلا أن..!!!؟ لم تتحمل الصدمة.. بلعت أوجاعها ومضت.. خافت من الالتفات للخلف.. كان يروعها كل همس يتسرب عبر أذنيها خوفا من الأحساس بالخذلان.. الخذلان آه.. لو تعلم هذه الأحرف ما هي مكانتها المدمرة في النفوس؛ لهربت من بعضها.. تشتت حتى لا يحدث التياع!. لم تستطع المواصلة لأن معلم المادة عبر الشبكة أحبطها.. رماها بوابل من الانهزام لأنها قالت له: توقف.. الطفل من بلادي التي استقدمتك، وتوقعت منك فهم معنى التربوي المحترم، ولم تتأكد من صدق وثائقك، التي يسهل على بلدك تزويرها من أجل الوصول الى الهدف؛ أذكى طفل وليس أغبى طفل كما قلت!!!. انسحبت بكرامتها.. غادرت المكان الذي وفد فيه وأمثاله.. استقر بها الوضع في المنزل مع بعض الدورات. شرعت تترجم اوجاعها وذكرياتها عبر العالم، صرحت من خلال ريشة القلم بكل الألوان لتوصيل رسالة.. لترجمة وجع يحاول التمكن من جسدها الناعم..!! وفجأة غابت.. انقطعت.. راع صديقتها هذا الغياب.. حاولت التواصل.. لا مجيب!!!. استرجعت صديقتها مواقف الأمس.. راعتها الكلمات وهي تبكي.. وهي تغمس الاوجاع بلقمة الوعد المتلاشي.. قالت لها: انه يريدني له.. نعم يريدني له ولكن كوقف!!! اتعلمين كوقف!.. لقد ألجمت مشاعري الحيرة.. العجز.. الشعور بعدم الامان.. لقد شق طريقه.. عاش حياته بكل الألوان.. سافر.. سافر برفقة أخرى دون وعد منه لها.. التقطها عبر قارعة الطريق، لا تعلم عن جحوده شيئاً.. ظهر لها بأسنان صافية وابتسامة عذبة وقلب أقسم لها يوما بأنه يحتويها لوحدها.. أتسمعين لوحدها!؟؟؟؟ وعندما تغفو.. يتسلل كأنه أشعة شمس هاربة.. يتسلل الى المحمول؛ يهاتفني يطلب الوصال من جديد.. ينكر صمت هاتفي ويعاتب.. أتعلمين يعاتبني ويطلب علاقتي مع وقف التنفيذ. لم أعد أثق بكل شيء.. لم أجد معنى الإخلاص في أي إنسان آخر.. وأنا أغوص في أعماقه.. عندما يتقدم الى خاطبا.. هناك من يستنجد بي للتوقف.. صوت أنثوي هزيل.. محبط.. يبكي بلوعة مغلفة بالصمت ليصرخ بحقيقة..بحقيقة مرة لامست أشياء في قلبي مهزومة.. مذبوحة.. لكي أقول لا.. لا أريد رفقته!.. بات المستقبل في ناظري مجرد أشخاص مغلفون بالخديعة.. لم يعد يهمني ما يعبث بداخلي من أورام!!!؟ وبينما (نوال) مستغرقة بحديث الذات ومخاطبة المواقف المرة.. والعتب على كل من ألغى كيان إنسان، وإذا بالمحمول لم يفتأ بالرنين حتى أفاقت وفتحت الخط ليتسرب عبر أذنيها صوت شروق الأجش الساحر.. إلا أن هذه المرة كان سحره مغلفا بحزن.. عميق.. عميق جدا.. قالت لها: (صديقتي نوال أرجو ان تسامحيني على طول غيابي عنك، وعدم الرد على اتصالاتك.. ولكن يؤسفني أن أقول لك بأن الأورام قد تفجرت بداخلي.. أنا مصابة بداء "السرطان" دعواتك)..!!!؟؟؟