"البيئة": خطة وطنية لإنشاء 96 مشروعًا ب 4 مليارات دولار    بتوجيه ولي العهد.. الثقل السعودي والقوة الدبلوماسية والشراكة العالمية تنتصر لفلسطين    «الداخلية»: القصاص من مواطن أنهى حياة آخر بصدم مركبته عمداً    الخريجي يستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى المملكة    تعليم "طبرجل "يقيم حفل ختام الأنشطة الطلابية للعام 1445    محافظ الأحساء يشهد حفل تكريم سفراء التميز بجامعة الملك فيصل    نقل مباراة الهلال والطائي إلى ملعب الشباب    "السعودية نحو الفضاء" .. عام على إنجاز تاريخي    محافظ القطيف يلتقي مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة الشرقية    3 وزارات و5 مختصين ب"أمناء مكتبة الملك فهد"    القيادة تهنئ الرئيس اليمني بيوم الوحدة    فرص تمويل واستثمار ب"كان" من الصندوق الثقافي    ضيوف الرحمن: المملكة بقلوبنا وشكراً للملك    أمير المدينة يرعى تخريج الدفعة الثالثة من طلاب كليات الريان    آل هادي يزف ياسر وأحمد لعش الزوجية    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب «المركزي الأمريكي»    خامنئي يؤم صلاة الجنازة على الرئيس الإيراني ومرافقيه    أمير القصيم يدشن مبنى الكلية التقنية ببريدة    السعودية تشارك في المؤتمر الثامن للجنة المستقلة لمكافحة الفساد في هونغ كونغ    «ليوان» تطرح مفهوما جديدا في التطوير العقاري مواكبا مع نظام وافي المعزز لنشاط البيع على الخارطة    اختتام النسخة السادسة من منتدى المشاريع المستقبلية 2024    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    بطاقة معان لخدمة كبار السن والأشخاص ذوي الاعاقة والجنود المرابطين    المديرية العامة للسجون تحتفي بتخريج (700) مجند من دورة الفرد الأساسي ال (44)    مناطيد العُلا تتزين ب"النمر العربي والحِجر وخيبر"    75 ملياراً حصاد اليوم الثاني ل"مستقبل الطيران"    وصول البعثة الاولى الى المدينة المنورة لأداء فريضة الحج    تسعيني ينال الثانوية قبل وفاته بأيام    مصادر «عكاظ»: يايسله يقود الأهلي الموسم القادم    «السعودية للطاقة» الأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء من «المتجددة»    منى زكي تجسّد دور «أم كلثوم».. وحفيدها يعترض !    مجلس الطيران العالمي    700 ألف صك صدرت عبر البورصة العقارية    بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    أنواع من الشاي الأشهر حول العالم    احذر.. قد يأتيك السرطان من داخل سيارتك !    تلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بالخرف !    الأخضر تحت 17 لرفع الأثقال يشارك في بطولة العالم بالبيرو    «تجربة جنونية» لفرنسي يسافر إلى الفضاء لبضع دقائق    اطلع على برامج التدريب التقني.. أمير القصيم ينوه بدور«الشورى»    أمير المدينة يستقبل المشايخ ومديري الإدارات الحكومية المدنية والعسكرية    ترجمة الهوية    أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-2    اطلاق برامج دعوية لخدمة ضيوف الرحمن    نائب أمير الرياض يرعى حفل التخرج بمدارس الملك فيصل    دبابات الاحتلال تحاصر مستشفيات شمال غزة    تويتر ينتقل نهائياً إلى«إكس دوت كوم»    الدولة واهتمامها بخدمة ضيوف الرحمن    مذكرة تفاهم لتوفير مياه زمزم لحجاج الداخل    سيدات الشباب يتوجن بلقب بطولة الصالات في نسختها الثانية    فرضية في طريق الهجرة استعداداً لموسم الحج    "تاليسكا" يتصدّر قائمة أكثر اللاعبين البرازيليين تسجيلاً للأهداف خلال هذا الموسم    هديتي تفاحة    لمرضى الروماتيزم في الحج .. مختص: تناولوا الأدوية في مواعيدها    نائب أمير المنطقة الشرقية يشهد حفل تخريج طلاب كليات الأصالة    أشيعوا بهجة الأمكنة    غرور الهلاليين وتواضع الأهلاويين    نيابةً عن وزير الخارجية.. الخريجي يقدّم واجب العزاء في وفاة رئيس إيران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العائدون إلى الله.. توبة المتطرفين! ( 1- 2)
نشر في الرياض يوم 14 - 02 - 2008

شهدنا لعشر سنوات مضت، كثيرا من التغيرات التي طالت الخطاب التقليدي لدينا، وأحدث شيئا من الحراك - النسبي - داخل هذا الخطاب، بغية الوصول إلى درجة ما ؛ من الانفتاح، أو بغية الالتفاف على الانفتاح القسري ؛ بحركة استباقية، تأخذ من الحرية أكثر مما تمنحها. سعي حثيث ؛ للظهور بمظهر الانفتاحي العصراني، القادر على الجمع بين عناصر التقليدية، وعناصر الحداثة، كانت نتيجتها التوبة (النصوح!) من التطرف. ولكنها توبة يمنّ بها المذنبون. ولهذا تأتي عبر تمرحل زمني، في صورة من صور التقسيط المستريح ؛ غير المريح.
هذه التوبة، أو العودة إلى الله، هل تجيء لصالح الزمن الجديد، الذي بدأ يفرض شروطه على الجميع، أم هي لحفظ ما بقي من أشلاء خطاب عنفي مدمر، تمزق - بعد فضيحته - كما تمزقت أشلاء أبنائنا، ومن قبل ذلك عقولهم، بقوة طاقة العنف الفكرية، المضمرة في نسيجه الداخلي، إلى درجة يستحيل معها التمييز بين متشابهات هذا الخطاب ؟!.
ظاهرها أنها عودة، وعفا الله عما سلف!. لكن، في مجال الإيديولوجيا، وعالم الأفكار، لا تتشخصن المسائل على هذا النحو، الذي يجعلها متعلقة بمواقف أصحابها. إنها تأخذ قوة الدفع الذاتي، بقدر الطاقة الكامنة فيها، والتي تجد مصدرها من قوة السياق الثقافي نفسه أو من ظروف المرحلة. ولهذا تحتاج إلى أفكار بذات القوة، وبذات الصراحة، وبذات الاتساق مع السياق ؛ حتى تستطيع الوقوف ضد طوفانها الغاشم. لا يكفي أن تؤسس خطابا جماهيريا واسعا، وعلى امتداد عقدين من الزمن، ثم تتراجع عنه بكلمتين، في برنامج فضائي عابر. وكأن هذا يكفي لاستصدار صك براءة من الإرهاب.
يقول أحدهم في مطلع تسعينيات القرن الميلادي المنصرم، متحدثا عن إسلامية السودان، وأن المسلم يفرح بأن : "الحجاب الشرعي فرض على البنات في المدارس جميعا، كمرحلة أولى لفرضه على المجتمع كله". هكذا، بلغة الفرض، التي يصرح الإسلامويون اليوم بأن وصولهم إلى السلطة، لا يعني التحكم في حريات الناس، وإنما سيدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة!.
إشكالية هذا الخطاب المتطرف، ليس في أنه خطاب غير متسق في بنيته الداخلية فحسب، وإنما هو غير متسق مع حراك الواقع أيضا. ومسألة حدود التدخل في خصوصيات الناس، ليست مسألة ثانوية، بحيث يصرح بها - بكل قوة - في موطن، ويتنازل عنها - بحياء وخفة - في موطن آخر. وقد يعد هذا أحسن من كثير من أترابه، ممن سكت ولم يصح ؛ فلم يعد معروفا إلى أين يريد أن يتجه بجماهيره التي تنتظر الحق من مشكاة الإلهام الأصولي.
صاحب النص السابق كان في غاية الصراحة ؛ عندما كان يعبر عن الفكرة الأصولية في تمظهرها الغالي. ولكنه - الآن - يتراجع على مراحل، ويمنح التوبة بالتقسيط. إنه هو القائل في محاضرته : (حي على الجهاد) قبل أكثر من عشر سنوات : "إن من السذاجة أن نتصور أن الإسلام ينتصر وينتشر عن طريق الدعوة السلمية فحسب". وعندما تأتي هذه الجملة في سياق : حي على الجهاد، فإن المقصود منها واضح، وهو الذي فهمه منه جمهوره، وسارع - بعضهم - بالتقرب إلى الله بتنفيذ هذا المنحى العنفي، بكل عزيمة وإصرار.
هناك من صدق هذه الدعوات العنفية وأمثالها. والنتيجة ما رأينا بأعيننا. ومن الغريب أن صاحب هذا النص، دائما ما يصرح بأنه لم يكن من المؤيدين لذهاب أبنائنا لبؤر الصراع في العالم الإسلامي. قد يكون ما يقوله صحيحا على وجه من الوجوه، أي أنه لم يدع إلى الذهاب إلى هذا المكان أو ذاك على وجه التحديد. لكن، الجماهيري الذي يسمع هذه الدعوة للجهاد، ثم يسمع التأكيد على أن نشر الإسلام ونصرته لا تتأتى بالطرق السلمية وحدها، فلا بد أن يتحفز للقتال ؛ ما دام داعي الجهاد يرفع صوته عاليا. لكن، ولأنهم شحنوا بهذه المفاهيم، ولأن هذا وأمثاله لم يأبهوا بغير مواطن أقدامهم ؛ لم يجد الشباب المعد للقتال على هذه الصورة، إلا جبهة واحدة في متناولهم. وكانت هذه الجبهة، هي : نحن، مجتمعا ووطنا.
عندما تعد محاضرات على هذه الدرجة من الخطورة، التي تعتمد التجييش المسلح، وعندما يصرح صاحبها واعدا جماهيره الساذجة بأنهم سينتصرون على الغرب أجمع، بقوله - في جهل فاضح -: "إنه لو وجد المسلم الواثق بدينه ومستقبله، والذي يعلم أنه لا حل إلا بالإسلام، ويحرك طاقاته في هذا السبيل، لأدركنا حقا ويقينا وصدقا، لا نقول سوف نحرر بلاد الإسلام منهم، بل نملك حتى موضع أقدامهم"، عندما توضع الجماهير في هذا السياق، فلا بد أن تفرز من يمسك بندقيته ( التي تشبه بندقية منقاش) ليسقط بها الحضارات، ويملك موضع أقدامهم، كناية عن التمكن من السيطرة، كما في لغة هرقل الروم.
وترويج العبارة العائمة، الإسلام هو الحل، لا أدري - حقيقة - ماذا يقصدون بها على وجه التحديد والتصديق. حل ماذا ؟!. إن كان مقصودهم الحل لإشكاليات التخلف الحضاري، فمعروف أن الإسلام دين، يمهد الدنيا لتكون طريقا إلى الآخرة، وإن كان مقصودهم حل الإشكاليات الوجودية المتعلقة بالمصير الإنساني، التي يمثل الدين أفضل الإجابات عنها، فهذه الإشكالية لا وجود لها في المجتمع المسلم، الذي يؤمن بالإسلام دينا حقا من عند الله - عز وجل -.
ما يعانيه المسلمون اليوم ليس إشكالا دينيا، وإنما هو - كما أكرر دائما - إشكال حضاري، بسبب التخلف المروّع الذي ينخر في العالم الإسلامي. والدين لا يكون حلا لما ليس في سياقه. فطريق التقدم الحضاري - ولا أتحدث عن الهيمنة وغزو العالم! - واضح. وهو لا يحتاج لأكثر من إرادة، وشجاعة للخروج من أسر الوعي الماضوي. وهذا هو المحك الذي نتقدم فيه خطوة، ونتأخر عشرات الخطى، في صورة انتكاسات لا تنتهي، يجرنا إليها الخطاب التقليدي الأصولي، سواء في نزعته القوموية المتعنصرة، أو الإسلاموية الأممية. فاختلاف المحتوى، لا يعني اختلاف البُنى والوظائف.
إن الحل الذي يقصدونه في شعار : الإسلام هو الحل، هو الحل لحالة الصغار الحضاري التي يستشعرونها، ولا يجدون المقدرة على الشراكة فيها، فضلا عن المنافسة عليها. ولهذا، لا يجدون سبيلا غير سبيل لغة العنف المسلح الذي يتوهمون أنهم سيغزون به العالم، وسيسقطون به الغرب، الغرب الذي يجرحهم - بتفوقه الأسطوري - في أعمق أعماقهم. ولهذا، يريدون إسقاطه، ويتمنون سقوطه، ويحلمون بتراجعه، ويروجون لانهياره الوشيك.
ليس هذا مني قراءة استبطانية لمقولاتهم، ولا تأويلا يبتعد عن المنطوق المباشر للخطاب الغفوي. بل هو ما يصرحون به، وخاصة في زمن العنف الغفوي، عندما كان هذا الخطاب يستطيع التصريح، بما لا يستطيع التصريح به الآن. إن صاحب النص السابق الذي يعد جماهيره بالسيطرة على موضع أقدام الغرب، لم يكن يخجل أن يستشهد بقصيدة ركيكة في كره أمريكا، تنضح بالعدوان غير المبرر، وبتضخم عقدة المؤامرة إلى درجة الهذيان. ما ذا نتوقع من محاضر يردد على جماهيره البائسة مثل هذه الأبيات :
أن ضد أمريكا إلى أن تنقضي
هذي الحياة ويوضع الميزان
بغض لأمريكا لو الأكوان ضَمّ
ت بعضه لانهارت الأكوان
من غيرها زرع الطغاة بأرضنا
وبمن سواها أثمر الطغيان
وإذا ذئاب الغرب راعية لنا
وإذا جميع رجالنا خرفان
لا أدري لماذا تذكرت بعض القنوات الفضائية الغوغائية، عند قراءة هذه العبارات التي تسمى : أبيات. أن تخرج هذه (الأبيات!) من ضيف ثلاثة أرباع مجنون على قناة الجزيرة، فهذا مفهوم ومقبول في سياق الغوغائية الفضائية. أما أن تصدر مثل هذه الأبيات في محاضرة دينية، تدعي أنها تؤسس لمشروع إسلامي حضاري، فهو مما يصعب فهمه، فضلا عن تفهمه.
إنها آلية تجنيد الأتباع. وعندما يتصور الأتباع أن هذا الرجل الجالس أمامهم، والذي يرفع المصحف بيد، والبندقية بيد أخرى، يعدهم بأنه سيهزم عدوهم، وأن يمتلك وعدا من الله بذلك، فلا بد أن يصدقوه، وأن تأخذ الحماسة شريحة كبيرة منهم إلى المواجهة، خاصة عندما يتصورون أن ما يفصل بينهم وبين النصر الكبير على الأعداء، ليس أكثر من ساعد رخو، وبندقية مهربة، وطلقات هوجاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.