الأثر الاقتصادي للدمج يحمل إمكانية تحقيق وفورات مالية ضخمة التحول الكبير يتطلب آلية واضحة وخارطة طريق واقعية تبدأ بالدراسة والتخطيط تعمل الجهات في مختلف القطاعات بالمملكة على مضاعفة الجهود ومواكبة المتغيرات لتحقيق أفضل الممارسات الممكنة التي تدعم مستهدفات رؤية المملكة 2030، ففي العديد من الهيئات والجهات بل وحتى الوزارات بحجم مكانتها وثقلها وحجمها أصدر في بعضها إلغاء ودمج بهدف تحقيق أهداف التحول الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية على كافة الأصعدة، وعلى سبيل المثال مؤخراً في قطاع التعليم تم إعادة هيكلة لإطار عمل إدارات التعليم، كذلك تأسيس رابطة للفنون القتالية حيث أصبحت مظلة واحدة للألعاب القتالية تخدم أهدافها وتتابع شؤونها دون تشتت أو تداخل مما سهل الكثير من الضبط والحكومة والإدارة والموازنة. وحيث يعدّ قطاع الرياضة من صميم التنمية الوطنية في المجالات الرياضية والاقتصادية والتنموية مؤكداً على هذه الأهمية ما شهده تطوير نظام الرياضة الصادر مؤخراً، ومن هنا يظهر تساؤل يستحق النقاش: لماذا نواصل تشغيل عشرات الاتحادات الرياضية بشكل منفصل، بينما يمكن دمج الرياضات ذات الطبيعة المتشابهة تحت مظلة واحدة؟ الواقع الحالي يشكل نوعاً ما من التشتت في الجهود واستنزاف مكرر للموارد، حيث تدير المملكة حالياً أكثر من 97 اتحادا رياضياً ولجنة ورابطة، كل منها يعمل بشكل مستقل بإدارة منفصلة، وميزانية مستقلة، وبنية تحتية إدارية كاملة، والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه: هل تحتاج كل رياضة من هذه الرياضات المتشابهة حقاً إلى جهاز إداري كامل منفصل؟ رؤية جديدة الإجابة تقودنا إلى رؤية جديدة تقوم على الدمج الذكي للاتحادات واللجان وتشكيل روابط رياضية تخدم أهدافها، تحت عدة مظلات رياضية موحدة على سبيل المثال لا الحصر، اتحادات الرياضات المائية والبحرية تشترك في البيئة المائية والبحرية ومعايير السلامة، وكذلك اتحادات رياضات القوى واللياقة واتحادات كرات المضرب وغيرها من المتشابهات، نظراً لاشتراكها في المنشآت الرياضية ومعايير السلامة. هذا التحول ليس مجرد إعادة ترتيب إداري، بل يحمل آثاراً قانونية عميقة وتنظيمية تتطلب إعادة هيكلة تشريعية شاملة فمن الناحية القانونية قد يواجه الدمج تحديات حقيقية تبدأ بضرورة إلغاء الكيانات القائمة، وهو ما يستوجب قرارات من الجمعيات العمومية للاتحادات، بالدمج الإلزامي وفقاً للأنظمة والميثاق الأولمبي والمعايير الدولية، كذلك يحتاج كل اتحاد جديد إلى أنظمة ولوائح جديدة تنظم العلاقة بين الرياضات المختلفة داخل المظلة الواحدة، مع الحفاظ على الاستقلالية والخصوصية التنظيمية لكل رياضة، وتبرز أيضاً مسألة حقوق الملكية والأصول، حيث يجب تحديد آلية واضحة لنقل أصول وممتلكات الاتحادات القديمة من عقارات ومعدات وعلامات تجارية وحتى حقوق الرعاية إلى الكيانات الجديدة. لكن هذه التحديات القانونية تقابلها فرص قانونية واعدة، أبرزها توحيد الأنظمة من خلال توحيد إجراءات اللجان شبه القضائية وإجراءات فض المنازعات وتوحيد منصات إجراءات الشكاوى، مما يقلل نسبة الأخطاء ويعزز الوضوح القانوني والحوكمة، كما يسهم الدمج في تعزيز مراقبة الامتثال القانوني والالتزام بالأنظمة ومتطلبات الشفافية والنزاهة عندما تكون الكيانات أقل عدداً وأكبر حجماً، وربما الأهم هو الدمج يوفر حماية أفضل للرياضيين من خلال تنظيم علاقاتهم التعاقدية. الانتقال من الهدر إلى الكفاءة الأثر الاقتصادي للدمج لا يقل أهمية عن الأثر القانوني، فهو يحمل إمكانية تحقيق وفورات مالية ضخمة والانتقال من الهدر إلى الكفاءة في مجال خفض التكاليف الإدارية، مع تقليص الخدمات الإدارية المشتركة والمتكررة بما يوفر الكثير والكثير، كذلك يمكن أن يتيح الدمج الاستثمار الأمثل في البنية التحتية من خلال بناء مراكز رياضية للتدريب متطورة بدلاً من عدة مراكز متواضعة، وإنشاء منشآت رياضية مشتركة عالية الجودة بدلاً من منشآت متفرقة محدودة الإمكانيات. إيرادات جديدة ولا تقتصر المكاسب الاقتصادية على خفض التكاليف والوفرة المالية، بل تمتد لتعزيز القدرة التفاوضية بشكل كبير، اتحادات تضم عدة رياضات أكثر جاذبية للرعاة من اتحادات صغيرة متفرقة، حيث تصبح حزمة الرعاية شاملة لجميع الرياضات المائية مثلاً أكثر إقناعاً للشركات من رعاية منفصلة لكل رياضة، كما أن القوة الشرائية من التفاوض الجماعي على المعدات وخدمات التأمين ووسائل النقل وحقوق البث تحقق خصومات كبيرة لا تتوفر للاتحادات الصغيرة، ويفتح الدمج آفاقاً لخلق نماذج إيرادات جديدة من خلال إقامة بطولات ومهرجانات وتجمعات رياضية كبرى تجمع عدة رياضات بدلاً من بطولات صغيرة متفرقة، مما يجذب شرائح جمهور أوسع ورعاة أكبر، بالإضافة إلى إنشاء أكاديميات رياضية متكاملة تخدم جميع الرياضات ضمن المظلة الواحدة، مما يخلق مصدر دخل مستدام. الحوكمة حيث تنقلنا من العشوائية إلى الاحترافية، فمع وجود أكثر من 97 اتحاداً، تصبح مراقبة أداء الاتحادات الإدارية والامتثال القانوني والمالية المهمة الأصعب، كما أن تفاوت المعايير وقياسات الأداء بين الاتحادات، حيث لكل اتحاد صغير معاييره الخاصة في الشفافية والتقارير المالية وانتخاب المجالس يخلق فوضى إدارية، وتعاني الاتحادات الصغيرة من محدودية الخبرات، إذ نادراً ماتستطيع استقطاب كفاءات إدارية عالية المستوى بسبب محدودية مواردها. في المقابل، يحقق الدمج مكاسب كبيرة في الحوكمة من خلال فرض معايير موحدة تشمل أنظمة مالية موحدة ومعتمدة محلياً دولياً، ومعايير شفافية إلزامية لجميع الرياضات، وآليات التزام ورقابة داخلية احترافية، كما يتيح الدمج تشكيل مجالس إدارة محترفة، حيث يستطيع اتحاد كبير جذب أعضاء مجلس إدارة من ذوي الكفاءة العالية، ويسهل التحول الرقمي من خلال تبني أنظمة إدارة إلكترونية متطورة وبناء قواعد بيانات موحدة للاعبين والمدربين والحكام وإطلاق منصات تواصل وتسجيل إلكترونية حديثة، والأهم أنه يمكّن من الفصل الواضح بين السلطات من خلال إدارة تنفيذية محترفة ومجلس إدارة استراتيجي ولجان فنية متخصصة لكل رياضة وهيئات تحكيم مستقلة. قرار استراتيجي تنفيذ هذا التحول الكبير يتطلب آلية واضحة وخارطة طريق واقعية تبدأ بمرحلة الدراسة والتخطيط، تشمل تشكيل لجان للتحول والدمج، وإجراء دراسة تفصيلية لأصول كل اتحاد مستهدف، وتحليلات داخلات والاعتمادات المتبادلة، وتصميم الهياكل التنظيمية الجديدة، تليها مرحلة التشريع والتأسيس لمدة تضمن إصدار القرارات التنظيمية للدمج، وصياغة الأنظمة اللوائح الأساسية للاتحادات الجديدة، وتشكيل مجالس إدارة انتقالية، وتعيين إدارات تنفيذية مؤقتة. ثم تأتي مرحلة النقل والدمج تركز على نقل الأصول والموظفين، ودمج الأنظمة الإدارية والمالية، وتوحيد البرامج والأنشطة بما يتناسب مع كل لعبة، وتنظيم انتخابات جديدة، وأخيراً مرحلة الاستقرار والتطوير تشهد، التشغيل الكامل للكيانات الجديدة، وإطلاق استراتيجيات طويلة المدى، وقياس الأداء ومعالجة الثغرات، والتوسع في البرامج والخدمات. التجارب الدولية الناجحة تقدم نماذج ملهمة تؤكد جدوى هذا التوجه في أستراليا، دمجت عدة رياضات مائية تحت مظلة واحدة، مما أدى إلى زيادة الميزانية الإجمالية وتحسين الإنجازات الأولمبية، وتقليص التكاليف الإدارية وفي ألمانيا يدير اتحاد الرياضات الجوية ثماني رياضات مختلفة تحت إدارة واحدة، محققاً معايير سلامة موحدة عالية، وبرامج تدريب متكاملة، وحضور دولي قوي، كل ذلك بتكلفة أقل بكثير مما لو كان كل اتحاد يعمل بمفرده. ختاماً إن دمج الاتحادات الرياضية المتشابهة ليس مجرد إجراء إداري لتوفير التكاليف، بل هو قرار استراتيجي يعيد تشكيل المشهد الرياضي السعودي بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 ويما يتوافق مع معايير الميثاق الأولمبي والمعايير الدولية ليكون التحول من النموذج الكمي القائم على عدد كبير من اتحادات صغيرة إلى النموذج النوعي المتمثل في عدد محدود من الكيانات القوية ذات نتائج واضحة وملموسة وتتمتع بوفورات مالية، حوكمة أفضل، قدرة تفاوضية أقوى، بنية تحتية أجود، وتحقيق إنجازات وميداليات ذهبية رياضية أعلى، التحديات موجودة حتماً، لكنها قابلة للإدارة مع التخطيط السليم والإرادة الفعلية الحازمة وما يطرح في هذه المقالة لم يعد تصورًا نظريًا أو اجتهادًا فكريًا، بل بدأ يأخذ طريقه إلى التطبيق العملي يؤكد ذلك ما صدر مؤخرًا بتأسيس رابطة للفنون القتالية السعودية، وتعيين الأمير خالد بن سطام بن سعود بن عبدالعزيز رئيسًا لها، لتضم تحت مظلتها اتحادات الكاراتيه، المصارعة، الجيوجيتسو، الجودو، والتايكوندو، مع تمثيل تنفيذي مباشر من اللجنة الأولمبية. وتتولى الرابطة مهاما استراتيجية تشمل توحيد الجدولة المحلية والدولية، تمكين الأندية من المشاركة الخارجية، بناء منظومة تدريب معتمدة، رفع كفاءة المدربين، تسهيل استخدام المرافق، وتمويل مبادرات التطوير، وهو نموذج عملي يترجم بدقة ما يناقشه المقال من حيث تقليل التشتت، تعظيم كفاءة الموارد، وتطوير الحوكمة الرياضية. د. فيصل العبيدان