من يملك القصة يملك السوق! في عصر تتقارب فيه المنتجات وتتطابق فيه التقنيات، لم يعد السؤال: ماذا تصنع الشركات؟ بل: كيف تجعل الآخرين يؤمنون بها؟ فالقيمة اليوم لا تنبع فقط مما تصنعه الأيدي، بل من الصورة الذهنية التي تُبنى في عقول الناس. وحين أطلقت "أبل" أول آيفون عام 2007، لم تكن تبيع هاتفًا بقدر ما كانت تبيع إحساسًا بالانتماء إلى عالم أكثر بساطة وأناقة وابتكارًا. تلك القصة التي صيغت بعناية هي ما جعل المستهلكين يصطفون أمام المتاجر، وهي ما رفع قيمة الشركة إلى مستويات غير مسبوقة. المنتج كان جيدًا، لكن الرواية كانت عظيمة. وبحسب تقديرات اقتصادية حديثة، تشكل الأصول غير الملموسة مثل السمعة والثقة والملكية الفكرية ما يقترب من 90% من القيمة السوقية لكبرى الشركات المدرجة في S&P 500، بعدما لم تتجاوز 17% تقريبًا في منتصف السبعينيات. كما تشير تقارير دولية إلى أن القيمة العالمية لهذه الأصول تجاوزت 61 تريليون دولار في السنوات الأخيرة. السوق يكافئ اليوم من يملك القصة الأقوى، لا المصنع الأكبر. ويبدو هذا التحول أكثر وضوحًا في منطقتنا. فوفق تقرير Brand Finance لعام 2025، بلغت قيمة أكبر 100 علامة تجارية سعودية نحو 116.8 مليار دولار، بزيادة تقارب 14% خلال عام واحد، مع هيمنة قطاعات الطاقة والبنوك والاتصالات على معظم هذه القيمة. وفي السياق ذاته، يُظهر التقرير أن قيمة علامة stc وصلت إلى نحو 16.1 مليار دولار في 2025، بفضل قوة استراتيجية علامتها وتنوّع استثماراتها. لم يعد نجاح الشركة قائمًا فقط على إرثها في الاتصالات، بل على توسعها في الأمن السيبراني، وتقنيات المعلومات، وحلول قطاع الأعمال... رواية مؤسسية قوية ترفع القيمة السوقية بقدر ما تفعل البنية التحتية. هذه الحقائق لا تُبنى على افتراضات، بل تكشفها حركة السوق كل يوم. انظر إلى "تسلا" و"BYD". الشركتان تصنعان السيارات الكهربائية، وBYD تتفوّق أحيانًا في الأرقام والربحية والإنتاج. ومع ذلك، تواصل قيمة "تسلا" السوقية التحليق في مستويات أعلى من نظيرتها الصينية بأكثر من عشرة أضعاف وفق تقييمات 2024. لماذا؟ لأن "تسلا" لا تبيع مركبة، بل مستقبلًا. لا تعرض تصميمًا جميلًا أو بطارية أقوى... بل تعرض رؤية: "لن نقود السيارات، بل سنقود التغيير ذاته". الأسواق لا تكافئ من يصنع الآلة الأفضل، بل من يصنع الإيمان. الناس لا يشترون التقنية فقط، بل يشترون وعدًا يصدّقونه... ويرغبون أن يكونوا جزءًا منه. "لو تبقّى معي دولار واحد فقط، لصرفته على العلاقات العامة." — بيل غيتس الإنجاز بلا قصة يبقى رقمًا في تقرير... أما القصة الذكية فتجعله رأس مالًا يرتفع ويتضاعف. والأمر ذاته شهدته "باربي" عام 2023. الفيلم لم يكن ترفيهًا بقدر ما كان إعادة تموضع لعلامة بدأت تفقد بريقها. شخّصت "ماتيل" التحولات الثقافية وقدمت رواية جديدة تتماشى مع روح العصر، فزادت قيمة العلامة وسجلت الشركة نموًا لافتًا في الأرباح والمبيعات. القصة لم تكن ترفًا، بل استثمارًا يعيد العلامة إلى قلب حديث المجتمع. هناك حقيقة تتكرّر: "المستثمرون لا يموّلون الشركات فحسب؛ إنهم يموّلون القصص التي يعتقدون أنها ستغيّر المستقبل." فالأصول غير الملموسة تشبه الجاذبية: لا تُرى، لكنها هي التي تحدد من يحلّق ومن يبقى على الأرض. ورغم ذلك، القصة أو الرواية ليست عصا سحرية. كما قال وارن بافيت: "تحتاج إلى عشرين عامًا لبناء سمعة، وخمس دقائق فقط لهدمها." فالقصة التي لا يدعمها أداء حقيقي سرعان ما تتحول إلى وعود مكشوفة. وبقدر ما يمكن للرواية أن تضاعف القيمة، يمكنها أيضًا أن تقود إلى انهيار سريع حين تُبنى على فراغ. والأمر ذاته شهدته "باربي" عام 2023. الفيلم لم يكن ترفيهًا بقدر ما كان إعادة تموضع لعلامة بدأت تفقد بريقها. شخّصت "ماتيل" التحولات الثقافية وقدمت رواية جديدة تتماشى مع روح العصر، فزادت قيمة العلامة وسجلت الشركة نموًا لافتًا في الأرباح والمبيعات. القصة لم تكن ترفًا، بل استثمارًا يعيد العلامة إلى قلب حديث المجتمع. في السعودية، نحن نعيش لحظة استثنائية. "رؤية 2030" لا تبني مشروعات ضخمة فقط، بل تكتب قصة وطن يعيد تشكيل مكانه في العالم. نيوم، والبحر الأحمر، والقدية ليست مشاريع بنية تحتية فحسب، بل سرديات تفتح آفاقًا جديدة لحلم قيد التحقيق. العالم لا ينتظر فقط ما الذي سيتم بناؤه، بل ينتظر الرواية التي سنرويها عن هذا البناء: ماذا سيغير؟ ولمن يصنع مستقبلًا أفضل؟ ويبقى السؤال الأكثر جرأة: هل سيكون أول "يونيكورن" سعودي عالمي هو الأكثر تمويلًا... أم الأكثر إيمانًا بقصته؟ هذا هو الامتحان الحقيقي لقوة السرد في الاقتصاد الجديد. النمو يأتي من المصانع... أما القيمة فتأتي من المعنى. ومن يملك القصة، يملك السوق. ومن يملك السوق... يملك المستقبل. زينب هوساوي استشارية في التسويق والاتصال الاستراتيجي وتعزيز السمعة والقيمة السوقية للشركات