لم تعد منصات التواصل الاجتماعي -السوشيال ميديا- مجرد أدوات تواصل أو مساحات للتعبير الفردي، بل تحولت في المشهد السعودي إلى مرآة اجتماعية كبرى تعكس تحولات المجتمع، وتوثّق سلوكه اليومي، وتكشف عن منظومة القيم التي تحكم علاقاته، وفي مقدمة هذه القيم، يبرز التسامح بوصفه سمة متجذرة في الشخصية السعودية، ونتاجًا مباشرًا لسياسات دولة قامت على العدل، والوسطية، ووحدة المجتمع، ومع اتساع استخدام منصات مثل «X»، و»سناب شات»، و»إنستغرام»، و»تيك توك»، أصبح المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات حضورًا وتأثيرًا رقميًا، وعلى الرغم من هذا الانفتاح الهائل، لم تتحول هذه المنصات إلى ساحات فوضى أو صراع، بل غلب عليها خطاب عقلاني، ونقاشات تتسم بالاحترام، وتفاعل يعكس وعيًا اجتماعيًا عاليًا في إدارة الاختلاف، ففي قضايا الرأي العام، والاختلافات الفكرية، وحتى النقاشات الحادة، غالبًا ما يظهر السعودي المتزن الذي يختلف دون إساءة، وينتقد دون تجريح، ويعبّر عن موقفه دون إقصاء، ما جعل المحتوى السعودي نموذجًا لبيئة رقمية منضبطة قياسًا بكثير من المجتمعات الأخرى. شاهد حي وما ميّز وسائل التواصل في المملكة أنها لم تكتفِ بترديد مفاهيم التسامح كشعارات، بل قدّمت نماذج واقعية موثّقة بالصوت والصورة، عبارة عن مواقف إنسانية، وتعايش اجتماعي، واحترام للآخر، ومساندة للمختلف، وتضامن في الأزمات، وهذه المشاهد اليومية، التي تنتشر تلقائيًا دون توجيه رسمي، شكّلت سردية رقمية صادقة عن المجتمع السعودي، وأصبحت المنصات شاهدًا حيًا على سلوك جمعي يرى في الإنسان إنسانًا، قبل أي تصنيف آخر، ولم يكن هذا المشهد وليد الصدفة؛ فوسائل التواصل الاجتماعي لم تصنع التسامح السعودي، بل كشفت عنه، إذ نشأ هذا السلوك في ظل سياسات واضحة جرّمت خطاب الكراهية، وحاربت التمييز، ورسخت مبدأ احترام النظام، وفتحت المجال العام للتعبير المسؤول، ومع تطور التشريعات الإعلامية والرقمية، تشكل وعيا مجتمعيا يدرك أن الحرية تقترن بالمسؤولية، وهكذا، انتقل التسامح من كونه قيمة مؤسسية إلى ممارسة رقمية يومية يراها العالم في التعليقات، والبثوث المباشرة، والمقاطع المتداولة. احترام الآخر وعلى الرغم من التنوع الكبير في المحتوى السعودي بين ديني، واجتماعي، وثقافي، وترفيهي، وريادي، إلاّ أن القاسم المشترك ظل واضحًا وهو احترام الآخر، وقبول الاختلاف، ونبذ الإساءة، وهذا التنوع المنضبط قدّم صورة ناضجة لمجتمع استطاع أن يجمع بين الأصالة والانفتاح، وبين الثوابت والتحديث، حتى في القضايا الحساسة، أظهرت المنصات قدرة المجتمع على إدارة الحوار دون الانزلاق إلى خطاب الكراهية، وهو ما جعل وسائل التواصل السعودية بيئة أكثر استقرارًا وأقل تطرفًا، وتحوّل المستخدم السعودي، دون تكليف رسمي، إلى سفير رقمي لقيم بلاده، فكل منشور متزن، وكل رد حضاري، وكل موقف إنساني، أسهم في بناء صورة ذهنية عالمية عن مجتمع يحترم الإنسان، ويقدّر التنوع، ويؤمن بالتعايش، ومع الانتشار العالمي للمحتوى السعودي باتت هذه المنصات قناة دبلوماسية ناعمة تنقل القيم قبل الأخبار. تحوّل المواطن عبر "التواصل الاجتماعي" إلى سفير رقمي لقِيَم بلاده انعكاس طبيعي لقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي شاهدًا صادقًا على التسامح السعودي؛ لأنها التقطت السلوك الحقيقي للمجتمع كما هو، في لحظاته العفوية واليومية، بعيدًا عن الخطابات الرسمية أو الرسائل المصاغة بعناية، ففي هذا الفضاء المفتوح، حيث يتفاعل الأفراد دون وسطاء، ظهرت القيم الحقيقية التي تحكم العلاقات الاجتماعية، وكان التسامح في مقدمتها، سلوكًا متكررًا لا استثناءً نادرًا، ولقد عكست هذه المنصات صورة مجتمع يتعامل مع الاختلاف بهدوء، ويُدير النقاش بروح واعية، ويقدّم الاحترام على الانفعال، حتى في أكثر القضايا حساسية، فالمتابع للمحتوى السعودي يلاحظ أن الاختلاف في الرأي لا يتحول غالبًا إلى خصومة، وأن النقد يُمارس في إطار حضاري، وأن الحوار -وإن اشتد- يبقى منضبطًا بقيم أخلاقية راسخة، وهذا ما جعل تلك المنصات تتحول من مجرد وسيلة تواصل إلى وثيقة اجتماعية مفتوحة توثق ملامح الشخصية السعودية الحديثة، وما ظهر على هذه المنصات لم يكن تصنّعًا أو حالة مؤقتة، بل انعكاسًا طبيعيًا لنهج دولة بنت سياساتها على العدل، والوسطية، واحترام الإنسان، ورسخت عبر عقود طويلة ثقافة التعايش، ونبذ الإقصاء، وتقديم المصلحة العامة على النزاعات الضيقة. تُرى وتُعاش وهذه السياسات لم تبقَ حبيسة الأنظمة واللوائح، بل تسللت إلى الوعي الجمعي، ثم تجسدت تلقائيًا في سلوك الأفراد، سواء في الواقع أو في الفضاء الرقمي، وهكذا، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بالمملكة مرآة حقيقية لمجتمع متوازن، يعرف كيف يعبّر عن نفسه دون إساءة، وكيف يختلف دون أن يتنازل عن احترامه للآخر، ليصبح مجتمعاً يرى في التسامح قوة، وفي الاعتدال وعيًا، وفي الحوار وسيلة للبناء لا للهدم، وبذلك، لم تعد منصات التواصل مجرد شاشات، بل منصات شهادة حية على قيم راسخة، تؤكد أن التسامح السعودي ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة تُرى وتُعاش في الواقع، وعلى امتداد العالم الرقمي معًا، ولم يكن التسامح في المجتمع السعودي نتاج تحولات عابرة أو استجابة ظرفية لمتغيرات العصر، بل هو امتداد طبيعي لمنظومة سياسية وتشريعية واجتماعية قامت عليها المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها، حيث ارتبط بناء الدولة منذ لحظته الأولى بقيم العدل، والإنصاف، واحترام الإنسان، وصون كرامته، بوصفها مرتكزات أساسية للاستقرار والوحدة، فمع إعلان توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن –رحمه الله– لم يكن الهدف سياسيًا فحسب، بل اجتماعيًا وأخلاقيًا، يقوم على جمع الناس تحت راية واحدة، وتنظيم علاقتهم ببعضهم وبالدولة على أساس الشريعة الإسلامية التي جعلت العدل والتسامح والتعايش ركائز للحكم، لا شعارات مرفوعة. مسؤولية متبادلة واعتمدت السياسة السعودية، منذ نشأتها، على مبدأ الدولة الراعية لا المتسلطة، فكانت العلاقة بين الحاكم والمجتمع علاقة مسؤولية متبادلة، تُدار عبر منظومة قيمية تحرّم الظلم، وتدعو إلى الإصلاح، وتؤكد أن الناس سواسية أمام النظام، وهذا ماعودونا عليه ولاة أمرنا -رعاهم الله-، يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله-: "إن العلم والمعرفة، هما الأساس الذي تقوم عليه نهضة الأمم من خلال تكوين أجيال متعلمة تقود المجتمعات وتسهم في تعزيز التسامح والتعايش بين الشعوب والمحافظة على المنجزات الحضارية"، ويقول صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-: "سنعود إلى ما كنا عليه، سنعيش حياة طبيعية، تترجم ديننا السمح وعاداتنا الطيبة ونتعايش مع العالم، ونساهم في تنمية وطننا"، وهذا التوجه لولاة أمرنا انعكس بوضوح على سلوك المجتمع، الذي تشكل وعيه في ظل دولة تؤمن بالاستقرار، وتقدّم معالجة الخلاف بالحكمة، وتنبذ الإقصاء والصدام، ومع تطور بلادنا، حافظت السياسات السعودية على هذا المسار، عبر أنظمة وتشريعات تجرّم التمييز، وتحمي الحقوق، وتعزز مبدأ المساواة، وتدعم السلم الاجتماعي، ما أسهم في تحويل التسامح من قيمة فردية إلى سلوك جمعي محمي بالنظام، وأسهمت سياسة توحيد المناطق والقبائل والمذاهب تحت إطار وطني جامع في تكوين مجتمع متماسك، يرى في التنوع عنصر إثراء لا تهديد، وقد عززت الدولة هذا التوجه عبر التعليم، والإعلام، والخطاب الرسمي، فترسخت ثقافة احترام الاختلاف الاجتماعي، ورفض العنصرية، وتقديم الانتماء الوطني على أي انتماء آخر، لذلك، لم يكن ارتفاع مؤشرات نبذ العنصرية والاندماج الاجتماعي في المجتمع السعودي مفاجئًا، بل نتيجة منطقية لسياسات طويلة الأمد هدفت إلى بناء الهوية الوطنية الجامعة. ممارسة واعية لقد قامت المملكة على تحالف ديني وسياسي جعل من الشريعة الإسلامية مرجعًا للحكم، لكنها في الوقت ذاته تبنت نهج الوسطية والاعتدال، وحرصت في سياساتها الداخلية والخارجية على احترام الخصوصيات وتنظيم العلاقة بين الجميع بما يحفظ الأمن والكرامة الإنسانية، وهذا التوازن بين الثوابت الدينية والانفتاح الإنساني انعكس على المجتمع، الذي تشكل وعيه على احترام المعتقد دون تفريط في الهوية، فكان التسامح ممارسة واعية، لا مجاملة شكلية، ومع التحولات الاقتصادية الكبرى، خاصةً في العقود الأخيرة، رسخت المملكة مفهوم التسامح الاقتصادي عبر سياسات الانفتاح، وتشجيع الشراكات، وجذب الاستثمارات، وتمكين القطاع الخاص، ما تطلّب بالضرورة مجتمعًا متقبلًا للتعامل مع الآخر، ومؤمنًا بالمصلحة المشتركة، وقادرًا على التكيف مع التنوع الثقافي والمهني، وقد انعكس ذلك على سلوك الأفراد في سوق العمل والتبادل الاقتصادي، حيث أصبح التعاون والتكامل جزءًا من الممارسة اليومية، لا مجرد متطلب تنظيمي، ويمكن القول إن تسامح السعوديين هو نتاج تراكمي لسياسات دولة أدارت التنوع بحكمة، وربطت الاستقرار بالعدل، وربّت المجتمع على احترام النظام، والاحتكام إليه، بدل الاحتكام إلى الصدام أو الإقصاء. فالتسامح هنا ليس حالة عاطفية، بل ثقافة سياسية واجتماعية تشكلت عبر التعليم، والتشريع، والممارسة اليومية. استطلاعات رأي ومن خلال مؤشر التسامح لدى المواطنين السعوديين الصادر عن "مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري" تنكشف لنا نتائج استطلاعات الرأي العام، عن صورة واضحة لمستوى عالٍ من التسامح في المجتمع السعودي، حيث بلغ مؤشر التسامح الكلي 82 %، وهي نسبة تضع المجتمع السعودي ضمن فئة "المرتفع جدًا" وفق التصنيف المعتمد للمؤشر، ويعتمد هذا المؤشر على عينة بلغت 737 مواطنًا ومواطنة، موزعين بين 72 % رجال و28 % نساء، ما يمنح النتائج درجة جيدة من التمثيل الاجتماعي، ويعكس توجهات واقعية للرأي العام السعودي، وتسامح اجتماعي متجذر، حيث سجل محور التسامح الاجتماعي أعلى النتائج، حيث بلغت نسبة التجرد من العنصرية 90 %، في دلالة قوية على رفض المجتمع السعودي لأي ممارسات أو تصنيفات تقوم على اللون أو الأصل أو الخلفية الاجتماعية، كما بلغت نسبة الاندماج والتكامل الاجتماعي 84 %، ما يعكس قدرة المجتمع على التعايش والانفتاح والتفاعل الإيجابي بين مختلف فئاته، وهذا وعي سياسي قائم على العدالة، ففي محور التسامح السياسي، أظهرت النتائج أن 88 % من المشاركين يؤمنون بالعدالة والمساواة، وهو مؤشر على نضج الوعي المجتمعي بأهمية الإنصاف وسيادة القيم العادلة، كما بلغت نسبة احترام حرية التعبير وتقبّل الاختلاف والتنوع 70 %، وهي نسبة مرتفعة تعكس انتقال المجتمع من مفهوم الرأي الواحد إلى ثقافة الحوار وتعدد وجهات النظر، ويعكس ذلك تسامح ديني لوسطية المجتمع، وسجل التسامح الديني، 80 % في جانب احترام وقبول الحرية الدينية، وهو ما يتسق مع الصورة الراسخة عن المجتمع السعودي بوصفه مجتمعًا قائمًا على الوسطية والاعتدال، ويحترم الخصوصيات الدينية دون إخلال بثوابته وقيمه، وفي البعد الاقتصادي بلغ مؤشر التسامح الاقتصادي 75 % في مجال التبادل الاقتصادي، وهو رقم يعكس تقبل المجتمع لمفاهيم الشراكة والانفتاح الاقتصادي والتعامل مع الآخر في إطار المصالح المشتركة، بما ينسجم مع التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة. خطى ثابتة وفي هذا المنشور دلالات تتجاوز الأرقام، حيث لا تقف عند حدود القياس الإحصائي المجرد، بل تفتح نافذة واسعة على تحولات ثقافية واجتماعية عميقة يشهدها المجتمع السعودي في مرحلته الراهنة، فهي تعكس وعيًا جمعيًا آخذًا في التشكل، ويؤكد أن مفهوم التسامح في المملكة لم يعد حبيس الخطاب النظري أو محصورًا في كونه قيمة أخلاقية تُتداول في المناسبات، بل غدا سلوكًا مجتمعيًا عامًا يمارس في الحياة اليومية، ويتجلى في أنماط التفاعل الاجتماعي، وفي طبيعة العلاقات بين الأفراد، وفي أسلوب التعامل مع الاختلاف والتنوع، وتبرز هذه التحولات بوصفها نتيجة تفاعل متوازن بين السياسات العامة، والممارسات المؤسسية، والدور المتنامي للفرد كشريك في ترسيخ القيم الإيجابية داخل المجتمع، فالمملكة تدعم هذا المسار عبر تشريعات وبرامج تعزز التعايش والاحترام المتبادل، فيما تسهم المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية في تكريس هذا الوعي، ليصبح التسامح جزءًا من الهوية الاجتماعية الحديثة، لا سلوكًا استثنائيًا أو ظرفيًا، كما تنسجم هذه المؤشرات بوضوح مع مستهدفات رؤية 2030 في بناء مجتمع حيوي ومتوازن، قادر على استيعاب التحولات المتسارعة دون أن يفقد تماسكه القيمي، ويؤكد هذا المؤشر، في مجمله، أن المجتمع السعودي، بثقافته المتجذرة وتاريخه العريق وتحولاته الحديثة، يسير بخطى واثقة نحو ترسيخ نموذج إنساني يقوم على الاحترام، والتعايش، والتكامل، وقبول التنوع، في وقت تتزايد فيه الحاجة عالميًا إلى نماذج مجتمعية قادرة على تحويل هذه القيم من شعارات إلى واقع ملموس. إطلاق مبادرات للتعايش مع الآخرين داخل المملكة حضور متزن وواع لحسابات سعودية في الحوارات الرقمية