بين دفاتر الملاحظات وأوراق الواجب، يعيش الكثير من الطلاب يوميًا تجربة التحدي المستمرة مع الواجبات المدرسية، التي غالبًا ما تمتد لساعات بعد انتهاء الدوام الرسمي. هذا الواقع لا يؤثر على الأطفال فقط، بل يمتد تأثيره إلى الأسرة بأكملها، حيث يجد الأهل أنفسهم مضطرين لمراقبة الأداء، تقديم الدعم، وحتى القيام بدور المعلم أحيانًا. تجلس ريم العمران، أم لطفلين يدرسان في الصف الرابع والسادس، أمام دفاتر الأطفال المكدسة على الطاولة، وتقول: «كل يوم بعد المدرسة يبدأ معنا مشوار طويل مع الواجبات. أحيانًا أشعر أننا نعيش جدولًا مزدوجًا؛ دوام عملي ثم دوام في البيت لتعليم أطفالي وإنهاء واجباتهم معهم». تتحدث ريم عن الصعوبات التي تواجهها، خصوصًا مع مواد تحتاج شرحًا مستمرًا مثل الرياضيات والعلوم. «في بعض الأيام، يتأخر نوم الأبناء بسبب الواجبات، ومع صباح اليوم التالي يبدأ تحدٍ جديد، حيث الطاقة منخفضة والقدرة على التركيز أقل». تضيف العمران: «أحاول تنظيم الوقت، لكن هناك أيام يبدو فيها الواجب وكأنه جبل لا يمكن تجاوزه. أحيانًا أشعر بالعجز رغم كل جهدي، وأتساءل إن كان هذا الضغط يؤثر على حبهم للتعلم نفسه». حديثها يعكس تجربة آلاف الأسر التي تتعامل يوميًا مع تزايد المهام الدراسية، ويكشف عن حقيقة مهمة: الواجبات المدرسية ليست مجرد أوراق يُنجزها الطفل، بل نشاط يومي يؤثر على جودة حياته وحياة الأسرة كلها. هنا تدخل الأخصائية التربوية د. سارة الراشد لتوضح الصورة من منظور تربوي: «الواجبات اليومية ليست عبئًا فقط، بل عامل مؤثر على الصحة النفسية للطفل وقدرته على التعلم. يحتاج الطفل بعد المدرسة إلى وقت للراحة، للعب، وللتفاعل الاجتماعي بعيدًا عن الضغط». وتضيف: «الكثير من الأطفال يربطون نجاحهم وقيمتهم الذاتية بعدد الواجبات المنجزة أو مدى رضا الوالدين عن أدائهم، وهذا يخلق لديهم شعورًا مستمرًا بالتوتر والقلق». تشرح د. الراشد أن عبء الواجبات يمتد ليشمل الأسرة بأكملها، حيث يُصبح الوالدان جزءًا من العملية التعليمية اليومية، ما يضاعف الضغط النفسي ويؤثر على التوازن الأسري. «الأم أو الأب الذي يعمل خارج المنزل يجد نفسه مضطرًا لقضاء ساعات إضافية لمراجعة الواجبات وشرح بعض المفاهيم، ما يخلق ضغطًا إضافيًا على كل فرد في الأسرة، وتقدم المستشارة التربوية نصائح عملية للتعامل مع الواجبات اليومية: أولًا، تنظيم وقت محدد لإنهاء الواجبات بما لا يؤثر على راحة الطفل. ثانيًا، التواصل المستمر مع المعلمين لمعرفة حجم الواجبات وأولوياتها وضمان أنها مناسبة لعمر الطفل وقدرته. ثالثًا، تشجيع الطفل على العمل بشكل مستقل مع مراقبة غير مباشرة، لتطوير مهاراته في إدارة الوقت وحل المشكلات. وأخيرًا، تخصيص وقت يومي للعب والأنشطة الإبداعية، فاللعب لا يقل أهمية عن الواجبات الأكاديمية في بناء شخصية الطفل. وتختم د. الراشد حديثها بالتأكيد على أن نجاح العملية التعليمية لا يقاس بعدد الأوراق المنجزة أو الساعات الطويلة، بل بقدرة الطفل على التعلم بفاعلية، والنمو النفسي والاجتماعي بشكل صحي.