حين يُذكر النعناع في الذاكرة السعودية لا يُستحضر كنبات عطري فحسب، بل كجزء أصيل من تفاصيل الحياة اليومية، وحضور اجتماعي يتجاوز المذاق إلى المعنى، هو رفيق الجلسات، وزينة الشاهي، ورسالة ترحيب صامتة. النعناع نبات عرفته الحضارات منذ قرون، لكن حضوره في المجتمع السعودي اتخذ بعداً مختلفاً، إذ ارتبط بالصحة والضيافة والذائقة العامة، ويؤكد مختصون في التغذية أن النعناع ليس مجرد نكهة منعشة، بل كنز صحي طبيعي، يساعد على تهدئة الجهاز الهضمي، وتخفيف عسر الهضم والانتفاخ والغازات، ويُعد خياراً مفضلاً لمن يعانون من القولون العصبي. ويشير مختصون في العلاج بالأعشاب إلى أن رائحته الزكية تسهم في تهدئة الأعصاب وتقليل التوتر والقلق، وهو ما يفسر لجوء كثيرين إلى شاي النعناع بعد يوم طويل بحثاً عن الراحة والسكينة. وفي الجانب الصحي أيضاً، يحضر النعناع كعنصر داعم للجهاز التنفسي، إذ يساعد على تخفيف احتقان الأنف وتحسين التنفس، ويُستخدم تقليدياً في مواسم البرد، كما تشير آراء مختصين في الصحة العامة إلى دوره في تنشيط الدماغ وتحسين التركيز واليقظة، إضافة إلى احتوائه على مضادات أكسدة طبيعية تسهم في دعم صحة القلب وخفض ضغط الدم بشكل غير مباشر عند إدخاله ضمن نمط غذائي متوازن. ولا يمكن الحديث عن النعناع دون التوقف عند أنواعه الشهيرة، حيث تتنوع أشكاله وروائحه ونكهاته باختلاف البيئات، من النعناع الفلفلي المعروف عالمياً بقوة نكهته، إلى النعناع البلدي الذي يزرع في مناطق عدة من المملكة ويتميز بطراوته وسهولة استخدامه اليومي. ويظل النعناع المدني القادم من المدينةالمنورة أيقونة خاصة، إذ اكتسب شهرة واسعة داخلياً وخارجياً بفضل رائحته القوية وطعمه المتوازن ولونه الأخضر الزاهي. ويلعب النعناع دوراً يتجاوز الصحة والغذاء إلى العلاقات الإنسانية، فوجوده في الشاهي يُعد دلالة كرم وذوق، ورسالة احترام للضيف، وعشاق الشاهي يرون أن كوب الشاي لا يكتمل إلاّ بأغصان النعناع الطازجة، وأن نكهته تضيف بعداً حسياً يجعل الجلسة أكثر دفئاً