حجم سوق العقار في المملكة يقدر بنحو 850 مليار ريال، وهو يمثل ثالث قطاع من حيث الوزن والقيمة بالنظر لمساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وتتأثر به معظم الأنشطة الاقتصادية، ورفع سعر الأصول العقارية سيؤدي لزيادة معدلات التضخم، وقد يصل إلى درجة يؤثر فيها على قيمة العملة المحلية، ويضر بسوق العمل، ويزيد من أعداد العاطلين، ويربك المستثمرين في الداخل والخارج.. القرارات التي أصدرها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لإعادة ضبط المشهد العقاري في العاصمة السعودية، ومعالجة التشوهات الموجودة فيه، كانت جريئة ومطلوبة، فقد بدأت برفع الإيقافات عن مناطق واسعة في شمال الرياض، وبطرح سنوي لما يصل لأربعين قطعة سكنية، بسعر لا يزيد على 1500 ريال، أو400 دولار للمتر المربع، وحددت فيها شريحة المتقدمين المستهدفة، وموانع المنح، وقيدت التصرف في الأرض لمدة عشرة أعوام، باستثناء رهنها لتمويل البناء عليها، وما سبق تعمل عليه منصة التوازن العقاري المؤسسة موخراً. بالإضافة الى رفع الحد الأعلى للرسوم السنوية على الأراضي البيضاء الى 10%، اذا كانت داخل النطاق العمراني، ومساحتها خمسة آلاف متر مربع فأعلى، ومعه تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وتثبيت الإيجارات لخمسة أعوام، الا في حالة العقارات غير المشغولة مسبقاً، وهذه يتم تحديد قيمتها بالاتفاق والتوافق بين طرفي العلاقة الإيجارية، وكلها ستعمل لمصلحة الملاك والمؤجرين من السعوديين، وستخدم تطلعات المستثمرين المحليين والدوليين في العقار السعودي، وتحذيرات بعض العقاريين السعوديين من سلبيات التدخل لضبط السوق لا يعبر عن حرصهم على الناس، ويأتي في واقعه دفاعاً عن مصالحهم الذاتية. الأدلة على ذلك كثيرة، ومن أمثلتها، منصة التوازن العقاري، التي ستمكن السعوديين من الوصول المباشر، وبدون وسيط، الى الأراضي السكنية، والاطلاع على أسعارها واختيار ما يناسبهم، ومن ثم التقديم الإلكتروني عليها، والدخول في قرعة علنية وشفافة، ما سيضر بالوسطاء العقاريين، وهؤلاء يحصلون في العادة على عمولات تتراوح ما بين 2% و10%، وأدوارهم في المستقبل قد تنحصر في تقديم الاستشارات، وفي خدمات من نوع إدارة الأملاك وتأجيرها، وتسويق المشاريع رقمياً.. ورفع رسوم الأراضي البيضاء حقق نجاحا باهرا في هونغ كونغ، أواخر التسعينات الميلادية، بعدما قامت الدولة بفرض ضرائب مرتفعة، وتحديداً على الأراضي غير المطورة والممتلكات الفارغة، ما قاد ملاكها الى الخروج المنظم من السوق، وتوجيه أموالهم الى سوق الأسهم، والتصرف ساهم في ارتفاع مؤشر هانغ سينغ بمقدار167%، خلال خمسة أعوام، وفي تراجع أسعار الأراضي بنسبة 18%.. وأتمنى ان نخرج بنتائج مشابهة في المملكة. عند مقارنة النمو السكاني في الرياض ما بين عامي 2010 و2024، مع بعض عواصم مجموعة العشرين، استنادا لأرقام هيئة الإحصاء السعودية، نجد انها سجلت نموا تجاوز 64%، متفوقة على باريس ولندن وجاكرتا ونيودلهي، والتي تراوحت نسبها ما بين 9% و41%.. وحالتا جاكرتا ونيودلهي لا تختلفان عن الرياض، فكلاهما يعيش تحولات اقتصادية كبيرة، الا أنهما لم يصلا الى الزيادة السكانية التي حصلت في الرياض، والفارق ان زيادة السكان في الرياض صاحبها ارتفاع في أسعار الأراضي، في علاقة طردية واضحة، وهو ما لم يحدث في كل المدن السابقة، ومن الشواهد انه وفي نفس الفترة، ارتفعت أسعار العقار بالتزامن مع الزيادة السكانية في الرياض، من خمسة ملايين و200 ألف شخص، ومتوسط سعري للمتر السكني لا يتجاوز 670 ريالا، او قرابة 179 دولارا، الى ثمانية ملايين و500 ألف شخص، ومتوسط سعري للمتر السكني يزيد على 5040 ريالا، أو ما يعادل 1344 دولارا، وخلال الأربعة عشر عاما الماضية سجل النمو السكاني ما نسبته 63%، وتضاعفت أسعار العقار بنسبة 650%، وكلها قد تبدو طبيعة ومقبولة نسبياً، ولكن الواقع يقول شيئاً آخر. لأن طريقة عمل السوق العقاري في المملكة، في الوقت الحالي، لا تعمل وفق احتياجات التطوير العقاري، وإنما لخدمة مصالح المضاربين وتجار العقار، وبالتالي فالارتفاع السابق لم يلتفت لسد النقص الحاصل في المعروض، واستفاد من تشوهات السوق في تعظيم أرباحه، ومن الشواهد، أنه ما بين عامي 2019 و2024 ارتفعت المعاملات العقارية السكنية من 70 ألفا الى 240 ألف معاملة سنوياً، وبنمو يقارب 40%، والسابق لم يحدث لمواكبة حجم الطلب المتزايد على المساكن، وإنما بفعل إعادة تدوير العقارات نفسها بين العقاريين، والمعنى ان الأموال الضخمة التي دخلت الى السوق لم تنتج مساكن إضافية، والصحيح أنها تحولت الى عقود مضاربة ارتفعت معها الأسعار دون ان يرتفع حجم المعروض العقاري، وأصبح سوق العقار مجرد نادٍ نخبوي لتداول الثروة العقارية بين ملاكها، والقرارات التصحيحية فاعلة بالتأكيد، ولكنها مازالت في بداياتها، وقياس نتائجها يحتاج الى وقت. حجم سوق العقار في المملكة يقدر بنحو 850 مليار ريال، أو ما يساوي 227 مليار دولار، وهو يمثل ثالث قطاع من حيث الوزن والقيمة، بالنظر لمساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وتتأثر به معظم الأنشطة الاقتصادية، ورفع سعر الأصول العقارية سيؤدي لزيادة معدلات التضخم، وقد يصل إلى درجة يؤثر فيها على قيمة العملة المحلية، ويضر بسوق العمل، ويزيد من أعداد العاطلين، ويربك المستثمرين في الداخل والخارج، وربما امتد تأثيره الى الميزانية العامة للدولة، لإسهامه في الإيرادات غير النفطية، والقرارات الأخيرة جاءت لتحييد مثل هذا السيناريو.