يمثل كتاب «النساء» للروائي الكبير إدواردو غاليانو، أحد أبرز الأصوات الإنسانية في أدب أمريكا اللاتينية، إصداراً مهماً، وتمت ترجمته في إصدار حديث، حيث إن الكتاب الذي جاء في 242 صفحة، هو عبارة عن مجموعة نصوص سردية قصيرة يكرّس في هذا العمل رؤيته العميقة لدور المرأة بوصفها ذاكرة العالم وروحه الخفية. ويأتي الكتاب بترجمة أنيقة ودقيقة للمترجم أحمد عبد اللطيف، صادرة عن منشورات حياة. يمضي غاليانو في هذا الكتاب بين السير والتأملات واللوحات القصصية القصيرة، ليرسم حضور المرأة في التاريخ والفن والسياسة والمقاومة، كما لو أنه يكتب خريطة أخرى للعالم، بعيون النساء وأصواتهن، وبما حملنه من نورٍ وألم وقوة. قدم نصوصاً قصيرة تحتفي بالمرأة في أشكال متعددة عبر الزمان والثقافات -من النساء التاريخيات المعروفات إلى نساء منسيات أو عاديّات. غاليانو في هذا الكتاب -كعادته- يمزج بين السرد والتاريخ والرمزية: يعرض حكايات بأسلوب يجمع بين القصصي، والتاريخي، والشعري، ليبرز دور المرأة، سواء في مواقف بطولية، أو معاناة، أو صراع، أو حياة عادية لكن ذات معنى، وبعض النصوص تتناول نساء مشهورات تاريخياً أو ثقافياً؛ والبعض الآخر نساء مجهولات/عاديات كرمز لتجارب المرأة عبر العصور. الأسلوب: غالباً قصير، مكثّف، شعري - نثري؛ النص أحيانًا عبارة عن فقرة قصيرة، لكنه يحمل إيحاءات واسعة، مما يجعل قراءة الكتاب أشبه بتصفح صفحات من تاريخ "موازٍ" للنساء: يثير مشاعر، تأملات، وأحيانًا مزيج من الحزن والأمل. يستعيد قصص النساء اللواتي غيرن الواقع، واللواتي غُيِّبن عمدًا، واللواتي صنعن تاريخًا موازياً لم يُدوَّن كما يجب. ويمنح القارئ نصوصًا تجمع بين العاطفة والتمرد والشعرية الفائقة التي تميّز أسلوب غاليانو. يقدم صوتاً لشريحة غابت غالبًا عن التاريخ الرسمي: النساء بمختلف أدوارهن (أمهات، مبدعات، عاملات، مناضلات) من منظور إنساني ونزيه، ويجمع بين جمال اللغة وعمق القضايا. وقد عرف غاليانو بأسلوبه الذي يُحس فيه الشاعر والروائي والمؤرخ في آن، ما يعطي للقصص بعداً ثقافياً وفلسفياً. وقد عرف غاليانو بأعماله الكبيرة التي تتناول التاريخ، السياسة، العدالة الاجتماعية، مثل الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية «ذاكرة النار» لكن في "النساء" يتخذ زاوية خاصة التركيز على "الذكرى والإنسان/ المرأة" أكثر من التاريخ السياسي/ الجغرافي، ما يجعله عمل مختلف عن كتبه الأخرى، وأكثر دفئًا وإنسانية. «النساء» ليس مجرد كتاب عن المرأة؛ بل هو احتفاء بالإنسان في أصدق حالاته، وبالأثر العميق الذي تتركه الأصوات الهامسة، والأيدي التي تبني في العتمة حياةً أخرى لا يراها أحد.