نعم أمي شيخة، وهو لسان حال كل ابن أو ابنة، فالأم شيخة بمكانتها وقيمتها وأمومتها، ولكن والدة الأديبة سارة الخزيم جمعت بين شِيختين، فبالإضافة لما سبق فإن اسمها شيخة ليجتمع اسم علم ومكانة. كتاب (أمي شيخة) ظننته سيرة غيرية، ولكن بعد أن اطلعت عليه من خلال نسختين ورقية وإلكترونية أهدتني إياها مشكورة الأديبة سارة؛ وجدته كتاب سيرة ذاتية جمع بين الثقافة العربية القديمة المتمثلة في الأدب الشفوي، وبين الكتابة، فالأم تتحدث والأبنة تدون بالتسجيل ثم بالتفريغ، وبالتأكيد فإن هناك معالجة فنية تحريرية للمادة المنقولة بما لا يؤثر على الرواية الصادرة عن أم سارة. هذه السيرة الذاتية التي نشأت في منطقة الخرج بأماكنها المتعددة وامتزجت بوجدانها الجمعي، وطابعها الثقافي، وأمسكت بزمام عاداتها وتقاليدها، وتاريخها الاجتماعي بما يحتويه من تحولات في جوانب لامست مسيرة مجتمع بسيط بحياته ذات طابع الكفاف والاكتفاء بما يستر الحال، ولكن وفق منظومة ثقافية تجعل من أعرافها الاجتماعية وقيمها الراسخة عقداً مرتبطاً بالوجود والمكانة ومعاني الشيم والقيم التي لا تقبل المساومة أو التهاون. هذه الحياة البسيطة كانت (ذاكرة واطن). ذاكرة وطن انتقل من تلك الحياة البسيطة إلى حياة طوت صفحات من الحياة الرتيبة والإمكانات المتواضعة وانتقلت إلى حياة أخذت في الانفتاح على عوالم جديدة من الرخاء والوفرة وتعدد خيارات أساليب الحياة، وأماكن العمل والسعي بين أرجاء وطن أخذت تتجلى ملامحه الجديدة الحضارية. الضبيعة والهياثم ومشروع الخرج الزراعي وفرزان.. وغيرها أماكن في ذاكرة الوطن وفي كتاب الخزيم، سارة (أمي شيخة) المنشور عن طريق الثلوثية في طبعته الأولى عام 1447ه-2025م. أم سارة (شيخة بنت راشد) وأمي (فاطمة بنت حسن) شيختان وإن اختلف الاسمان، وكل أم هي شيخة جديرة بأن تدون ذاكرتها وتُحفظ لتكون سجلاً يضيء دروب أجيال لاحقة بحاجة أن تتعرف على تاريخنا من خلال هؤلاء الشيخات اللائي كن شواهد على مرحلة من مراحل تاريخنا الاجتماعي المشرف بقيمه وتكاتفه وبذله للمعروف وتخليده لشيم أبناء وطن عظيم رغم وعورة الحياة وتجاعيد الألم التي مرت به. نحن أمام كتاب سيرة ذاتية اشتمل على قصص وفاء وتضحية وحسن نيات وعطاء، ولم يخل من مواقف فيها طرافة وتسلية، وكتب بأسلوب أدبي رفيع وبقلب ابنة كان نبضها هو الحبر الذي كتبت به هذه السيرة التي أدعو كل من يقرأ هذا المقال أن يقرأها ويتأملها جيداً. (أمي شيخة. ذاكرة وطن) كُتب بلغة أدبية تتسق وتتناسب مع طبيعة المحكي والشكل الأدبي المتمثل في السيرة الذاتية ذات النطاقين؛ النطاق الشفوي والنطاق الكتابي المحرر على يد الابنة التي أحسنت وبكل جمال أن تكتب الإحساس وأن تغوص في بواطن الحكايات.