في لحظة فارقة من مسار التحول الوطني، يكشف مؤشر جودة الحياة للمدن السعودية لعام 2025 الصادر عن شركة «ستيدي بيس» للاستشارات عن ملامح اقتصاد حضري يتشكّل من جديد، حيث ترتفع جودة الخدمات وتتطور البنية التحتية وتتنوع الفرص الاستثمارية في مختلف المناطق. ويظهر المؤشر ارتباطاً مباشراً بين جودة الحياة وقوة الجاذبية الاقتصادية، ما يجعل المدن السعودية أكثر تنافساً، وأكثر قدرةً على جذب الشركات والسكان وصناعة مستقبل حضري مستدام ومتوازن. مدن متصدرة يكشف المؤشر عن صدارة الخبر بدرجة 88.6، وهو تفوق يعكس استثمارات متسارعة في الواجهات البحرية، وتسهيلات الأعمال، وتطوير البنية الترفيهية والخدمية، ما جعل المدينة مركزاً اقتصادياً صاعداً في الطاقة والخدمات اللوجستية. وتأتي الرياض ثانية بدرجة 88.2 نتيجة زخم المشاريع العملاقة في المساحات الخضراء، وشبكات النقل، والمراكز المالية، ما يعزز مكانتها كعاصمة اقتصادية إقليمية وبيئة جاذبة للشركات العالمية. أما مكةالمكرمة والدمام وجدة، فترتبط جودة الحياة فيها بقطاعات حيوية تشمل الحج والعمرة، والتجارة، والخدمات اللوجستية، والسياحة، ما يدعم نمو الوظائف ورفع المساهمة الاقتصادية للمدن. مدن صاعدة تشهد مدن الجنوب أبها وجازان صعوداً لافتاً بدرجات تتراوح بين 76.7 و76.8، مدفوعة بتسارع التطوير السياحي، وتحديث البنية التحتية، وفتح أسواق جديدة في الصناعات الإبداعية والزراعة الحديثة. كما تسجل العلا والمدينةالمنورة حضوراً اقتصادياً متنامياً مدعوماً بالسياحة الثقافية، وتطوير الوجهات، وتوسّع المشاريع العقارية والتنموية. وفي المراتب من 10 إلى 17، تكشف درجات بريدة وتبوك ونجران والأحساء والباحة وعرعر وحائل وسكاكا عن فرص كبيرة لتحسين الخدمات وجذب الاستثمارات وتنويع الاقتصاد المحلي. جاذبية الاستثمار يشير المؤشر إلى أن المدن الأعلى تصنيفاً أصبحت مرشحة تلقائياً لجذب رؤوس الأموال، لارتباط جودة الحياة بعوامل اقتصادية أساسية تشمل استقرار السوق، وكفاءة البنية التحتية، وارتفاع القوة الشرائية، ونمو قطاع الخدمات. هذا الارتباط يعيد تشكيل خريطة الاستثمار نحو المدن التي توفر بيئة معيشية متكاملة ومرافق حضرية متقدمة. توزّع التنمية تؤكد النتائج أن التنمية لم تعد محصورة في المدن الكبرى، بل امتدت إلى الجنوب والشرق والشمال، حيث بات لكل منطقة مسار اقتصادي مختلف تقوده السياحة واللوجستيات والتطوير الحضري. هذا الاتساع يعزز التوازن التنموي ويدعم أهداف رؤية 2030 في رفع كفاءة المدن وتحسين جودة الحياة على نطاق وطني. رافعة اقتصادية تظهر التجارب العالمية ويتوافق معها الواقع السعودي أن المدن التي تستثمر في جودة الحياة تحفّز الإنتاجية، وتخفض التكاليف غير المباشرة، وترفع القيمة العقارية، وتدعم التنويع الاقتصادي بعيداً عن القطاعات التقليدية. وبذلك تصبح جودة الحياة أداة اقتصادية فعّالة وليست مؤشراً خدمياً فقط. تنافس حضري تتحول المدن السعودية اليوم إلى نموذج تنافس حضري يقوم على الخدمات لا على المشاريع الكبرى وحدها. جودة النقل، ونظافة الأحياء، وتطوير المساحات العامة، وتوفر المرافق اليومية، أصبحت معايير رئيسية لقياس قوة المدينة وقدرتها على بناء اقتصاد مستدام يستجيب لتطلعات السكان والمستثمرين. سلوك استهلاكي جديد يشير المؤشر إلى تحوّل في سلوك السكان والمستثمرين، حيث ترتفع الرغبة في المدن الأكثر نشاطاً اقتصادياً، ما يعيد تشكيل خيارات السكن، وتوجهات الاستثمار العقاري، وأنماط الاستهلاك. فكلما ارتفعت جودة الحياة ارتفعت القدرة على استقطاب الشباب والكوادر المهنية والشركات. اقتصاد مدن يتقاطع التحسن في المدن السعودية مع مسار رؤية 2030 في بناء اقتصاد حضري متنوّع، وتحسين البيئة الاستثمارية، وتمكين القطاعات غير النفطية. وبذلك يتحول مؤشر جودة الحياة من مجرد ترتيب إلى بوصلة استشرافية تكشف شكل الاقتصاد السعودي الجديد القائم على مدن أكثر تنافسية، وخدمات أكثر كفاءة، وفرص أكثر استدامة.