أدت المساعي الأميركية لتمرير خطة تهدف إلى تحقيق السلام في أوكرانيا سريعا، إلى تصاعد الدعوات داخل الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرار قريب بشأن استخدام الأصول الروسية المُجمّدة لدى التكتل في تمويل كييف، بالتوازي مع إيجاد موطئ قدم على طاولة المفاوضات.. ومن شأن الخطة الأميركية لوقف الحرب، والمؤلفة من 28 بندا، أن تلزم كييف بالانسحاب من أراض ما زالت تسيطر عليها في منطقة دونيتسك، شرقي أوكرانيا، كما تتضمن اعترافا فعليا من أميركا بسيادة روسيا على مناطق دونيتسك وشبه جزيرة القرم ولوهانسك. ورفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، التعديلات التي اقترحتها كييف وأوروبا على الخطة الأميركية، وقال إن روسيا لا تعتزم بدء حرب مع أوروبا، ولكنه أضاف: "إذا قررت أوروبا فجأة القتال، وبدأت به– فنحن جاهزون الآن." وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يسعى إلى الحصول على دعم من حلفائه الأوروبيين، الذين يخشون أن تبدو الخطة الأميركية – التي تتم صياغتها دون إشراك كييف أو أوروبا – وكأنها قائمة أمنيات لموسكو. وتأتي هذه التحركات الدبلوماسية بينما لا تظهر الحرب، التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين وشرّدت ملايين الأوكرانيين، أي مؤشرات على التهدئة. وبعد قرابة أربعة أعوام على انطلاق الهجوم الروسي واسع النطاق على أوكرانيا، أظهرت بيانات حللتها وكالة "فرانس برس" (أ ف ب)، من "معهد دراسة الحرب"، الأميركي، أن الجيش الروسي حقق الشهر الماضي أكبر تقدم ميداني له في أوكرانيا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وزاد من تعقيد المشهد بالنسبة لكييف اندلاع فضيحة فساد هزت الدائرة المقربة من زيلينسكي، وأسفرت عن إقالة كبير مفاوضيه أندري يرماك. وفي الوقت نفسه، لا يسعى الاتحاد الأوروبي فحسب إلى إيجاد مقعد له على طاولة المفاوضات، بل تضغط بعض دوله من أجل أن يستخدم التكتل الأصول الروسية المُجمدة لديه لتقديم "قرض تعويضات" لأوكرانيا. لا سلام بدون أوكرانيا وأوروبا وقالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس يوم إن جهود إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحقيق السلام، قد تدخل مرحلة حاسمة عقب جولة جديدة من المحادثات بين أميركا وأوكرانيا . وأضافت كالاس للصحفيين لدى وصولها لحضور اجتماع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في بروكسل: "قد يكون أسبوعا محوريا للدبلوماسية." والتقى الموفد الأميركي ستيف ويتكوف الرئيس الروسي بوتين في موسكو . ووفق تقارير إعلامية، وصف أحد مساعدي بوتين المحادثات بأنها "بناءة"، دون تحقيق تقدم مهم بشأن السلام. وهمشت واشنطن أوروبا، إلى حد كبير، في مسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب. وقال وزير الدفاع الدنماركي ترولس لوند بولسن، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للتكتل حاليا: "رغم أن مفاوضات السلام الجارية، لا أرى مؤشرات على استعداد روسيا لوقف القتال في أوكرانيا. يجب وضع ذلك في الاعتبار حتى لا تصبح أوروبا على الهامش بشكل، ساذج." وقال زيلينسكي يوم الاثنين إنه "ليس من العدل" استبعاد الحلفاء الأوروبيين من محادثات إعادة إعمار أوكرانيا فيما تتكثف الجهود للتوصل إلى تسوية للحرب مع روسيا. وتتصدر دولتا فرنساوألمانيا – أكبر اقتصادين في الاتحاد – الضغوط التي تهدف لإشراك أوروبا في العملية. وأشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أن أي خطة لإنهاء القتال بين روسياوأوكرانيا لا يمكن انجازها إلا بمشاركة كييف والقوى الأوروبية. وأكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس أنه "لا ينبغي فرض السلام" على أوكرانيا، وأن كييف وحلفاءها الأوروبيين يجب أن يكونوا جزءا من أي اتفاق لإنهاء الحرب. وأكد رئيس وزراء بولندا دونالد توسك مجددا التزام قادة أوروبا بتحقيق سلام عادل ودائم لأوكرانيا، وقال: "هذا أمر جلي. سنواصل دعم أوكرانيا. سوف يمثل انهيار أوكرانيا تهديدا مباشرا لبولندا. كلي أمل أن يستوعب الجميع ذلك، وخاصة في بولندا." وظهرت دعوات داخل الاتحاد الأوروبي، لتعيين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أو مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس، أو الاثنتين، من أجل التفاوض باسم التكتل- ولكن لا يرى الجميع الوقت مناسبا لانخراط الاتحاد في العملية. ويرى رئيس سلوفاكيا، بيتر بليجريني، أنه يتعين على القوى العالمية الأخرى أن تتفق أولا قبل دخول الاتحاد الأوروبي مسار التفاوض. وقال إن التكتل لا يُنظر إليه حاليا كقوة كبرى قوية ومؤثرة في ظل أوضاعه وقيادته السياسية. كما قال وزير الخارجية الهولندي ديفيد فان فيل إنه لا يرى ضرورة في أن يتحدث شخص أو اثنان باسم الاتحاد الأوروبي حول السلام في أوكرانيا. وصرح في وقت سابق بأنه "الأهم بالنسبة لنا هو أن تكون أوكرانيا داعمة لأي خطة سلام مطروحة." الأصول الروسية المجمدة تحت النقاش كما تشمل الخطة الأميركية مقترحا لرفع التجميد عن نحو 200 مليار يورو من أصول البنك المركزي الروسي المحتجزة لدى الاتحاد الأوروبي، وتسليم جزء منها لأميركا، وروسيا. ويرى العديد من قادة الاتحاد الأوروبي أن ذلك يتجاوز كل الحدود – وقد سارعوا إلى الضغط على ترمب لسحب طلبه. وقال الرئيس الفرنسي ماكرون: "الأوروبيون فقط هم من يقررون ما سنفعله بالأصول الروسية المجمدة الموجودة في أوروبا." وجاء الاقتراح الأميركي بينما كان التكتل يناقش خطة لاستخدام الأصول المجمدة في بلجيكا لتمويل قرض بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا، ما زاد الأمر حساسية. وأكدت كالاس مجددا موقف بروكسل: ضرورة تعزيز الضغوط على روسيا عبر العقوبات والموافقة على إتاحة الأصول الروسية المجمدة لتقديم قرض لأوكرانيا. وبحسب بيانات الاتحاد الأوروبي، قام التكتل بتجميد نحو 210 مليارات يورو من الأصول السيادية الروسية – معظمها محتجز لدى شركة "يوروكلير" في بلجيكا، التي ذكرت في تقرير نتائجها لعام 2024 أنها تحتفظ ب183 مليار يورو من هذه الأصول. ويقضي مقترح "قرض التعويضات" بأن تسدد أوكرانيا الأموال فقط عندما تدفع روسيا تكاليف الأضرار الناجمة عن غزوها الشامل. وأعلن البنك المركزي الأوروبي، أنه لا يمكنه دعم خطة الاتحاد، مما ألقى بظلال شك على إمكانية التوصل لاتفاق هذا الشهر. وبحسب صحيفة فاينانشال تايمز، البريطانية، كانت المفوضية استفسرت من البنك ما إذا كان يمكنه العمل كملاذ أخير ل "يوروكلير" لتجنب حدوث أزمة سيولة، ولكن البنك رفض بدعوى أن ذلك قد ينتهك معاهدات منع التمويل النقدي. ولطالما أعلنت بلجيكا مخاوفها بشأن المخاطر المالية والقانونية لاستخدام هذه الأصول. وأكد رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر هواجسه في رسالة لرئيسة المفوضية الأوروبية، وصف فيها الخطة بأنها "خاطئة من الأساس"، وقال إن استخدامها سينتهك "مبدأ أساسيا في القانون الدولي"، ويُقوض استقرار الأسواق المالية العالمية. وأشار دي ويفر إلى أن دولا تحتفظ باحتياطيات كبيرة في أوروبا تختار أن تسحبها، حتى لو أكد الاتحاد الأوروبي أن الخطة لا تعتبر مصادرة غير قانونية. كما حذر دي ويفر من أن الاتحاد الأوروبي قد يضطر في النهاية إلى سداد القرض، وهو ما يستدعي تقديم ضمانات من الدول الأعضاء. وأضاف أنه ينبغي على الدول التي لديها الأصول المجمدة أن تساهم كلها في الخطة، وليس بلجيكا وحدها. أما رئيس وزراء بلغاريا، روزين جليازكوف، فقال إن الأصول الروسية المجمدة في بلاده ليست جزءا، من ضمانات القرض لأوكرانيا. وأضاف: "الأصول الروسية المعنية عبارة عن أموال مودعة لدى البنك المركزي الأوروبي ومجمدة من قبل يوروكلير. إذا كانت هناك أصول لأشخاص أو شركات خاضعة للعقوبات في بلغاريا، فهي ليست جزءا من هذه المجموعة المالية، بل مجمدة، ولا يمكن إجراء معاملات عليها." كما حذر رئيس الوزراء البلجيكي، دي ويفر، من احتمال انتقام روسيا، خاصة ضد يوروكلير وبلجيكا، لافتا إلى أن هذه الأصول قد تلعب دورا في مفاوضات السلام المستقبلية، وأن استخدامها الآن قد يُعقد العملية. وقال رئيس وزراء سلوفينيا روبرت جولوب إن بلاده تتفهم موقف بلجيكا وطلبها الحصول على ضمانات إذا ما جرى استخدام هذه الأموال. وأضاف: "ولكن يبقى من قبيل الصواب أن الأصول المجمدة هي أقوى أداة تملكها أوروبا، ويجب استخدامها بهدف واحد: تحقيق السلام في أوكرانيا". وأكدت بولندا دعمها للخطة، بحسب ماذكره نائب وزير الدفاع باويل زاليفسكي عقب اجتماع وزراء دفاع الاتحاد في بروكسل . تحذير روسي السفير الروسي لدى ألمانيا سيرغي نيتشاييف حذّر من أن خطة الاتحاد الأوروبي لاستخدام أصول روسية مجمّدة لتمويل أوكرانيا في الحرب ضد موسكو ستكون لها "عواقب بعيدة المدى" على التكتل. وقال نيتشاييف في بيان تلقّته وكالة فرانس برس إن "أي عملية تتّصل بأصول سيادية روسية بدون موافقة روسيا تُعتبر سرقة. ومن الواضح أيضا أن سرقة أموال حكومية روسية ستترتب عليها عواقب بعيدة المدى".