ظل الاستقرار والنمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة العربية السعودية، وكذلك السياسات الداعمة للأعمال، أحد أهم الأسباب المحفزة لمزاولة الأعمال في السعودية، إذ تخطط شركات الأعمال الدولية، لزيادة حجم معاملاتها التجارية ومشاريعها الاستثمارية في السعودية مع استمرار تدفق مشاريع رؤية المملكة 2030 الناجحة والتي حققت مستهدفاتها قبل نهاية العقد. وتعمل المملكة على توفير بيئة مرنة في التواصل مع الشركات العالمية لاستقطابها للعمل في السوق المحلية، مستهدفة ليس فقط جعل السعودية سوقا للفرص وإنما منصة للنمو العالمي. في هذا الصدد، كشف تقرير جديد صادر عن بنك "إتش إس بي سي"، أن قادة شركات الأعمال الدولية تعتزم زيادة حجم معاملاتها التجارية ومشاريعها الاستثمارية في السعودية، مع استمرار رؤية المملكة 2030 في إرساء الأسس لبناء اقتصاد مرن ومستقر مع آفاق نمو مشجعة. وبين التقرير أن 8 من أصل كل 10 شركات دولية تخطط لذلك على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتستهدف السعودية استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030، مقارنة مع حوالي 30 مليار دولار سنويًا حاليًا. وبحسب وزير الاستثمار خالد الفالح، فإن المملكة تمكنت من جذب 675 شركة عالمية للحصول على ترخيص لإنشاء مقرات إقليمية لها في العاصمة الرياض. وأشار تقرير بنك "إتش إس بي سي"، الذي يحمل عنوان "شبكات رأس المال: المملكة العربية السعودية"، أن أكثر من 60 % من الشركات التي شاركت في استطلاع رأي أجراه البنك أنها تتطلع إلى القيام بذات الشيء خلال الأشهر الستة المقبلة. وبشأن الأسباب والعوامل التي تدفعهم إلى الاستثمار في السعودية، تركزت آراء وردود المشاركين في الاستطلاع بنسبة 53 % على النمو الاقتصادي في المملكة، وبنسبة 48 % على الاستقرار الاقتصادي، وبنسبة 37 % على سياسات المملكة الداعمة للأعمال، باعتبارها أحد أهم الأسباب المحفزة لمزاولة الأعمال في المملكة. وقال وزير الاستثمار خالد الفالح، في منتدى مستقبل الاستثمار 2025، إن 90 % من الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل للسعودية هو من القطاع غير النفطي، موضحًا أن الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية تضاعف أربع مرات منذ انطلاق رؤية 2030، على الرغم من انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا، مشيرًا إلى أن المستهدفات السعودية الكبيرة يتم تجاوزها. وتماشيًا مع خطط وأهداف رؤية 2030 نحو تنويع الاقتصاد السعودي، حدد الاستطلاع كلًا من قطاعي التكنولوجيا 58 % والبنية التحتية 38 % كأكبر قطاعين يتمتعان بإمكانات نمو كبيرة بين شركات الأعمال الرائدة التي تفكر في زيادة حجم استثماراتها في المملكة. وترى 31 % من الشركات التي تستثمر في المملكة، والتي تم استطلاع آراءها، أن قيود الملكية الأجنبية، وكذلك موضوع المنافسة بنسبة مماثلة، تشكلان أحد أهم العوائق أمام زيادة حجم استثماراتها. وتأتي هذه النتائج في الوقت الذي تدرس فيه المملكة تطبيق تدابير إضافية لزيادة حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة الواردة، بما في ذلك إدخال تعديلات على القوانين الناظمة للملكية الأجنبية في الشركات السعودية. وذكر البنك أن التقرير استطلع آراء 4000 من صناع القرار في شركات الأعمال ممن لديها عمليات دولية تتراوح قيمة إيراداتها بين 50 مليون دولار و500 مليون دولار سنويًا، وذلك لاستبيان الآراء حول كيفية تطور الروابط التجارية والاستثمارية للمملكة مع ثمانية أسواق عالمية رئيسية. وأوضح الفالح أن السعودية تحولًا نوعيًا في خريطة الاستثمارات، حيث إن 90 % من تدفقات الاستثمار الأجنبي القادمة تتركز في قطاعات غير نفطية، و10 % فقط تتجه إلى مشاريع نفطية، مشيرا إلى انخفاض الاعتماد على الأنشطة النفطية من أكثر من 90 % في 2015 إلى 68 % في 2024. خفض الاعتماد على إيرادات النفط تمكنت المملكة من خفض اعتماد اقتصادها المباشر وغير المباشر على إيرادات مبيعات النفط من أكثر من 90 % إلى نسبة وصلت إلى 68 % حاليًا، وأصبحت الأنشطة غير النفطية تمثل الآن 56 % من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. فيما رفعت السعودية توقعات نمو اقتصادها للعام المقبل إلى 4.6 % بدلا من 3.5 % في تقديرات سابقة، مدفوعا بشكل أساسي بالنمو المتوقع للناتج المحلي للأنشطة غير النفطية، وفقًا للبيان التمهيدي لميزانية عام 2026 الصادر عن وزارة المالية مطلع الشهر الحالي. وقال فارس الغنام، الرئيس التنفيذي لشركة إتش إس بي سي العربية السعودية: "نرى أن منطقة الشرق الأوسط غنية بالإمكانات الهائلة، وأن المملكة هي المحرك الأساسي لفرص النمو الكبيرة في المنطقة. وتشير دراساتنا وأبحاثنا إلى تزايد مستوى الثقة من جانب مؤسسات السوق الدولية في برامج التحول الاقتصادي التي تقودها السعودية". وتواصل رؤية السعودية 2030 تحقيق الزخم في جميع النواحي الاقتصادية في المملكة، بدءًا من القطاعات التقليدية كالبنية التحتية والسياحة، ووصولًا إلى القطاعات الجديدة والناشئة كالذكاء الاصطناعي والألعاب الإلكترونية والرياضات الإلكترونية. وبالنسبة لقادة الأعمال، فإن من شأن هذه التطورات أن تُعزز من مستويات الثقة التي ستدفعهم أكثر نحو مزيد من المشاركة والاهتمام باقتصاد المملكة". إلى ذلك، تعكف هيئة التأمين السعودية تطبيق تجريبي لنظام الأصول المالية في 2026، بالتوازي مع النظام الحالي، على أن يتم التطبيق الكامل في يناير 2027، بحسب رئيس هيئة التأمين السعودية ناجي التميمي، وأوضح أن هذا التحول سيمنح السوق قدرة أكبر على تطوير نماذج الاكتتاب، وتوسيع قدرات التحليل، ورفع الشفافية، وتعزيز جاذبية الاستثمار للمؤسسات المحلية والدولية، وأشار التميمي إلى أن هيئة التأمين نفّذت عمليات محاكاة واختبارات وورش عمل مع شركات السوق لضمان انتقال سلس، إضافةً إلى أن مشروع "نظام التأمين الجديد" الذي تعمل الهيئة على صياغته ورفعه للجهات التشريعية، يمثّل محطة تشريعية مفصلية ستعزز استدامة التطوير القانوني والتنظيمي للسوق خلال السنوات القادمة. جاء ذلك خلال مشاركة رئيس هيئة التأمين في جلسة حوارية رئيسة حملت عنوان "تحفيز تطوير القطاع – دروس عالمية وطموح محلّي"، ضمن فعاليات مؤتمر ومعرض التأمين العالمي. في وقت، تستهدف السعودية رفع سوق التأمين إلى 140 مليار خلال 4 سنوات، بزيادة 75 %، مع إطلاق عدد من المؤشرات لقياس الأسعار. وقال رئيس هيئة التأمين السعودية ناجي التميمي، إن الهيئة ستعمل من خلال المبادرات التي ستطلق مع الاستراتيجية الوطنية للتأمين على زيادة حجم الاستثمارات في قطاع التأمين للوصول إلى الرقم المستهدف. كما تستعد الهيئة خلال الفترة المقبلة إطلاق عدد من المؤشرات منها، إصدار وثائق التأمين، وجودة التسعير، والتضخم للتأكد من عدالة المنافسة. وبينت هيئة التأمين خلال المؤتمر أن عدد العاملين في قطاع التأمين السعودي بلغ نحو 18 ألفًا بنهاية عام 2024، بمعدل توطين يتخطى 85 % مع مستهدفات بمضاعفة هذا العدد بحلول عام 2030. من جهة أخرى، شهدت سوق التأمين السعودية نموا بنسبة 17 % عام 2024، بإجمالي أقساط مكتتبة بلغ 76.1 مليار ريال، وصافي دخل استثماري وصل إلى 3.46 مليارات ريال، فيما بلغت موجودات شركات التأمين 88.2 مليار ريال، في حين بلغ إجمالي المطالبات المدفوعة خلال السنوات الخمس الماضية نحو 179.4 مليار ريال. في جانب آخر، تخطط شركة ان تي تي اليابانية للذكاء الاصطناعي، إنشاء مراكز بيانات في السعودية، في إطار سعيها للاستفادة من زخم الذكاء الاصطناعي في المملكة. وقال الرئيس التنفيذي للشركة، أبهجيت دوبي، إن الشركة، التي استحوذت عليها مؤخرًا "إن تي تي غروب" وحوّلتها لشركة خاصة في صفقة بلغت قيمتها 16 مليار دولار، تقيّم فرص الاستثمار في المملكة. وأضاف أن شركة تكنولوجيا المعلومات تعمل بالفعل مع مطوري المشاريع العملاقة في السعودية، بما في ذلك "نيوم"، وتشارك في مشروعات بنية تحتية رئيسية مثل الملاعب، لكنها لم تتخذ بعد قرارات نهائية بشأن إنشاء مراكز بيانات. وقال: "نرى وجود فجوة بين العرض والطلب من حيث ما تريد المملكة تحقيقه في وقت قصير جدًا، مقارنة بالقدرة الفعلية المتاحة في البلاد.