أكد خبراء اقتصاديون ومستشارون في التنمية أن "العين الحارة" بمحافظة الليث تمثل فرصة استثمارية مهمة لتحويل الموارد الطبيعية إلى منتج اقتصادي مستدام في قطاع السياحة العلاجية، مستلهمين التجارب الأوروبية الناجحة في مدن مثل كارلوفي فاري في التشيك وبيشتاني في سلوفاكيا، حيث استطاعت هذه المدن تحويل ينابيعها المعدنية إلى وجهات سياحية علاجية عالمية تسهم في الناتج المحلي وتجذب الزوار من مختلف دول العالم. ويمتد موقع العين الحارة على مساحة تقارب 49 ألف متر مربع ويضم 19 نبعًا حراريًا كبريتيًا تتراوح درجات حرارتها بين 80 و85 درجة مئوية، وتتميز مياهها بخواص علاجية مثبتة علميًا، تُستخدم في برامج العلاج بالمياه المعدنية للتخفيف من آلام المفاصل والتشنجات العضلية والالتهابات المزمنة، ما يجعل الموقع موردًا طبيعيًا فريدًا قادرًا على جذب السياح الباحثين عن الاستشفاء الطبيعي والاسترخاء. وأكد ماهر آل سيف -مستشار اقتصادي- على أن تطوير العين الحارة يمكن أن يسهم في زيادة مدة إقامة السائحين ورفع معدلات الإنفاق على الإقامة والخدمات المحلية، إضافةً إلى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة تشمل فرق التشغيل، الأكشاك الغذائية، المنتجات الريفية، وخدمات النقل، مع الإبقاء على الإيرادات داخل المحافظة لتعزيز الاقتصاد المحلي، مضيفاً أن المشروع سيُسهم في بناء هوية سياحية سعودية جديدة تجذب الزوار من المملكة والدول العربية، وتحول محافظة الليث إلى وجهة علاجية مميزة. وقالت د. نوف بنت عبدالعزيز الغامدي -مستشارة التنمية الاقتصادية والحوكمة الإقليمية-: إن السوق الوطني للسياحة العلاجية يُقدّر بنحو 1.34 مليار دولار لعام 2024م، مع توقع معدل نمو سنوي مركب يتجاوز 21.8 % حتى عام 2033م، ما يعكس حجم الطلب وفرص الاستثمار في الموارد الطبيعية بالمملكة، ومنها العين الحارة، مبينةً أن المملكة سجلت 2024 نحو 116 مليون زائر محلي ودولي، منهم 30 مليون زائر دولي، بإجمالي إنفاق سياحي بلغ 283.8 مليار ريال، ما يعزز الجدوى الاقتصادية لمشاريع السياحة العلاجية في الليث. وأوضحت د. الغامدي أن تطوير العين الحارة يمكن أن يشمل إنشاء منتجعات استشفائية ومرافق علاج بالمياه المعدنية، إلى جانب خدمات الضيافة والأنشطة البيئية والترفيهية، بما يخلق فرص عمل متنوعة لأبناء المنطقة، ويعزز تنويع المنتجات السياحية وفق نماذج تشغيل مستدامة، ويحقق قيمة مضافة محلية تعزز الاقتصاد الإقليمي. من جهته أوضح م. عبدالله السيد -رئيس بلدية غميقة- أن البلدية حرصت على الاهتمام والعناية بالمتنزه من خلال إعداد العديد من الدراسات البيئية بالتعاون مع الجهات المختصة، وعملت على تنفيذ مشروع صيانة وإعادة تأهيل المتنزه، بتوجيه ومتابعة من أمين جدة ووكيل الأمين لبلديات المحافظات. وذكر م.السيد أن المشروع يحتوى على أعمال تكسيات حجرية للمجرى وأرضيات خشبية وغرف ساونا ومظلات خشبية وحمامات استحمام ومسبح ومسطحات خضراء وأعمال إنارة، حيث شرف الموقع بتدشينه من قبل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة الأمير خالد الفيصل -حفظه الله-، وإسهاماً بتحقيق رؤية هيئة تطوير منطقة مكة ومواءمتها لرؤية 2030 وبرامجها، سعت الهيئة إلى اعتماد متنزه الماء الحار ضمن مشروع الطريق السياحي وبالتعاون بين هيئة تطوير منطقة مكةالمكرمة وأمانة جدة ممثلة في بلدية غميقة. وأكد م. السيد أن البلدية حالياً تشرف وبجهود ذاتية على أعمال الصيانة والعناية بالمتنزه، وذلك من خلال تواجد فريق عمل بالموقع على مدار الساعة، بسبب ما يشهده من كثافة زوار ومتنزهين من داخل المملكة وخارجها في جميع الأوقات. وفي السياق ذاته، أكد المؤرخ سعيد هيلي الكرساوي أن العين الحارة تُعد موقعًا تاريخيًا وطبيعيًا اكتشفته القبائل المحلية منذ أكثر من ألفي عام، وكان النبع ينبثق من صخرة كبيرة قبل تطوير الموقع لاحقًا، مضيفاً أن العين الحارة تعرضت لأضرار كبيرة نتيجة سيول عام 1440ه، قبل أن تعيد بلدية غميقة تطويرها وافتتاحها 1443ه لتصبح وجهة جاذبة للمتنزهين والسياح المحليين والدوليين. ويشير الخبراء إلى أن الاستدامة التشغيلية والبيئية تعتبر من ركائز نجاح أي مشروع سياحي مستقبلي، مؤكدين أن دمج العلاج بالمياه المعدنية والخدمات السياحية المتكاملة، بما يشمل مرافق الضيافة ومسارات المشي الطبيعية والأنشطة البيئية، يتيح نموذجًا سعوديًا فريدًا يجمع بين الهوية المحلية والمعايير العالمية. ويمثل تطوير العين الحارة فرصة لتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال رفع معدلات الإنفاق السياحي المحلي والدولي، ودعم المنتجات والخدمات الريفية والحرفية، وخلق وظائف مباشرة وغير مباشرة لأبناء المنطقة، وتعزيز دور القطاع السياحي في تحقيق التنمية المستدامة. وتبرز العين الحارة اليوم كواحدة من أبرز الفرص الاقتصادية في المملكة، حيث يمكن أن تتحول إلى منتج سياحي واستثماري مستدام يحقق فوائد متعددة تشمل تنمية الاقتصاد المحلي، مع توفير وظائف، وكذلك تعزيز الجاذبية السياحية للمملكة على مستوى المنطقة، لتصبح محافظة الليث وجهة سعودية رائدة تحاكي أبرز التجارب الأوروبية في السياحة العلاجية. التطوير يمكن أن يشمل إنشاء منتجعات استشفائية وجهة جاذبة للمتنزهين والسياح المحليين والدوليين