أثار حديث المدير المالي لشركة الذكاء الاصطناعي المفتوح عن الدعم الحكومي لاستثمارات الذكاء الاصطناعي انتقادات حادة، عندما استخدمت تعبيرا يفيد أنها تعول على الحكومة كدعامة لصفقات الشركة. يأتي تعليقها في ندوة لتقنية المعلومات والشركة تنتقد بسبب نموذجها الاستثماري الدائري الذي يتوقع كثير من المحللين أن يؤدي إلى فقاعة اقتصادية عالمية. في نظرية الاقتصادي فيليب أجيون الحائز على جائزة نوبل مؤخرا عن (الهدم الخلاق)، تنشأ التنمية عندما تزعزع الشركات الجديدة عروش الكبار، فيجبر الاقتصاد على تجديد نفسه بالابتكار والمنافسة. فالمبتكر، في هذه النظرية، ليس تابعا للنظام القائم، بل خصما له؛ فهو من يهدد المحتكرين بالزوال ويجدد حيوية السوق. لكن يروي اقتصاد الذكاء الاصطناعي اليوم قصة مختلفة، أكثرها وضوحا هو نموذج التمويل الدائري الذي ابتكرته شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح مع مايكروسوفت. فاستثمار مايكروسوفت الجريء بمليارات الدولارات في حقيقته رأسمال مدور: تنفق الذكاء الاصطناعي المفتوح المليارات نفسها على خدمات الحوسبة السحابية (آجر) التابعة لمايكروسوفت، وهي البنية التي تحتاجها لتدريب نماذجها وتشغيلها. ثم تعيد مايكروسوفت دمج هذه النماذج في منتجاتها لتربح منها من جديد. يبدو الأمر شراكة في الابتكار، لكنه في منطق أجيون آلية لحماية الأرباح. فعندما ظهر منتج الذكاء الاصطناعي المفتوح مهددا للشركات الكبرى، وصلت الشركات الكبرى إلى حل تحتوي فيه آثار الهدم الذي تعد به الشركة الجديدة بالتمويل الدائري، فلم تعد مايكروسوفت تخشى المنافس الجديد طالما حولته إلى شريك. هكذا تحول الهدم الخلاق إلى تركيز خلاق؛ أي إلى ابتكار محكوم لا يهدد النظام القائم بل يخدمه. يحذر أجيون من جهود الشركات الكبيرة التي تستخدم نفوذها للحد من تأثير الشركات الابتكارية، فتنتقل من التركيز على الابتكار إلى الضغط السياسي حيث تستخدم نفوذها وعلاقاتها لحماية مصالحها. وهذا ما نراه بوضوح في اقتصاد الذكاء الاصطناعي الدائري اليوم. يسمح التمويل الدائري للشركات الكبرى بأن تتظاهر بالمجازفة الاستثمارية وهي في الحقيقة تحمي احتكارها. إنها تستوعب المبتكرين بإغرائهم ببنيتها التحتية بغية الاعتماد عليها، فيبقى التقدم التقني حبيس نموذجها التجاري. أما الشركات الناشئة الأخرى التي قد تشكل تهديدا حقيقيا، فتعجز عن الوصول إلى موارد الحوسبة والبيانات والأسواق. وهكذا يتقدم خط الابتكار في الاتجاه الذي يختاره المسيطرون ضمن دائرة نفوذهم الخاصة. لهذا النموذج تبعات اقتصادية عميقة. بدل أن يوجه رأس المال نحو التجريب والمنافسة، يعاد تركيزه لتثبيت هيمنة الكبار. النتيجة اقتصاد ينمو بالحجم لا بالحيوية وهو ما يمكن تسميته بفخ (الركود الشومبتري). فالابتكار يستمر كمشهد تقني بارز، لكن من دون الهدم والبناء الذي يمنح الاقتصاد قدرته على التجدد. إذا كانت عملية الهدم الخلاق محركا داخليا للاقتصاد، فإن هذا النموذج الدائري الجديد يفرغه من مضمونه. فنحن نسير نحو اقتصاد يمنحنا وهم التقدم، لكنه يخفي في داخله موت الآلية التي جعلت التقدم ممكنا.