مباراة النصر والفيحاء لم تكن مجرّد مباراة ضمن جدول الدوري السعودي، بل تحوّلت إلى ساحة اختبار حقيقية للحكم السعودي، اختبار في الثقة قبل أن يكون في القرارات، فالمباراة التي انتهت بأداء فني متقلب داخل الملعب، شهدت خارجه ضجيجًا وجدلاً واسعًا، بطله رجل يرتدي الأسود ويحمل صافرة أصبحت مادة للنقاش أكثر من الأهداف نفسها. ما حدث في تلك الليلة لم يكن عن خطأ تحكيمي هنا أو هناك، فالأخطاء جزء من اللعبة، بل عن حجم التفاعل الجماهيري والإعلامي الذي يكشف حجم هشاشة العلاقة بين الجماهير والحكم المحلي. كل قرار يُقابَل بتأويل، وكل صافرة تُفسَّر بأنها "مع" أو "ضد"، وكأن الحكم جزء من التكتيك الفني وخطة المدرب! الحقيقة أن الحكم السعودي يحتاج إلى تطوير وهذه موضوع أجزم أنه لا يختلف عليه شخصين، لكن ما يواجهه على أرض الواقع هو تحدٍّ نفسي قبل أن يكون فنيًا، فالضغوط الجماهيرية والمنافسة بين أندية كبرى أو لبعض المباريات التنافسية تجعل أي قرار لا يكون تحت المجهر فقط، بل تحت آلاف العدسات والكاميرات ولا ننسى VAR. هل أخطأ الحكم في بعض القرارات؟ نعم، لكن هل يُبرّر ذلك سيل الهجوم الذي وصل أحيانًا إلى حدّ التشكيك في النزاهة؟ قطعًا لا. الواقع الذي يجب أن نعترف به أننا بحاجة إلى ثقافة رياضية تتعامل مع الحكم باعتباره جزءًا من المنظومة لا شماعةً تُعلّق عليها الهزائم. ما لفت انتباهي أكثر هو أن كثيرًا من الأصوات التي انتقدت الحكم طالبت قبل أسابيع فقط بإعطاء الثقة للتحكيم المحلي وتقليل الاعتماد على الأجنبي! تناقضٌ يعكس أننا لا نزال نبحث عن حكم "يُرضي الجميع" وهي معادلة مستحيلة في كرة القدم. تظل صافرة الحكم رمزًا للعدالة داخل الملعب، لكنها أيضًا مرآة تعكس ثقافتنا في تقبّل الخطأ، والحكم السعودي سيظل في مرمى النقد، إلى أن يكون هناك مشروع حقيقي وملموس لتطوير الحكم السعودي وأن نتعلّم جميعًا أن العدل في الملاعب لا يُقاس برغبات الجماهير، بل بضمير من يقف في المنتصف، ودمتم سالمين.