أصبح العالم الرقمي مرآة تعكس ملامحنا وسلوكنا أمام الآخرين، وأصبحت صورتك الافتراضية اليوم امتدادًا لهويتك الواقعية، بل قد تسبقك في تكوين الانطباع الأول عنك، سواء في عملك أو علاقاتك أو فرصك المستقبلية! فما تكتبه وتنشره وتردّ به، وحتى ما تختاره كصورة شخصية عبر «الواتساب»، كلها تفاصيل دقيقة تشكّل ملامحك في الوعي الجمعي لمن يتعاملون معك. في السعودية، يعيش المجتمع أحد أعلى معدلات التواصل الرقمي في العالم. فقد أكدت تقارير We Are Social 2024 أن 94٪ من السعوديين يمتلكون حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، كما أن تطبيق واتساب يستخدمه أكثر من 95٪ من السكان، بينما يتجاوز متوسط الوقت الذي يقضيه السعوديون يوميًا في استخدام الوسائل الرقمية سبع ساعات و46 دقيقة، هذه الأرقام تكشف أننا لم نعد نعيش «في» العالم الرقمي فحسب، بل أصبحنا نعيش «من خلاله». الحضور الرقمي اليوم عنصرٌ أساسي في صورتك العامة، فحين يدخل أحدهم إلى حسابك في «تويتر» أو «إنستغرام» أو «لينكدإن» أو حتى «واتساب»، يبدأ بتكوين انطباع فوري عنك دون أن تنطق بكلمة، وتلعب الصورة الشخصية دور الركيزة في هذا الانطباع؛ إذ تشير دراسة صادرة عن HubSpot إلى أن الحسابات التي تستخدم صورًا حقيقية وواضحة تحقق تفاعلاً أعلى بنسبة 36٪ وفرصًا مهنية أكبر بنسبة 40٪ مقارنة بالحسابات المجهولة أو التي تستخدم رموزًا أو شعارات. التواصل في تطبيقات المحادثة، وعلى رأسها «واتساب»، يعكس ذوقك وأسلوبك ولباقتك؛ فالمستخدم الذي يردّ بلطف، ويحترم الوقت، ويُظهر التقدير للآخرين، يبني صورة إيجابية عن ذاته دون أن يدرك، أما من يتجاهل الرسائل أو يستخدم لغة جافة، فيترك أثرًا سلبيًا حتى لو كانت نيته جيدة، وفي بيئة العمل تحديدًا، أصبحت مجموعات «الواتساب» ساحة تُظهر سلوكك المهني؛ فالانسحاب المفاجئ، أو تجاهل الرسائل، أو الردّ المتأخر، كلها تفاصيل بسيطة لكنها تُترجم إلى «انطباع» قد يبقى طويلاً، بينما اللباقة والاحترام في التفاعل تفتح آفاق الثقة والتعاون. ولأن تواجدك في الإنترنت وما يُنشر عنك في الفضاء الرقمي لا يجب التغافل عنه؛ لذا ابحث عن اسمك في «غوغل»، وتأمل النتائج الأولى، فهي بمثابة سيرتك الذاتية المختصرة؛ الصور، والتغريدات القديمة، والمقالات التي تحمل اسمك، كلها أجزاء من ملامحك الرقمية، لذا احرص على أن تكون تلك الملامح صادقة، مهنية، ومتزنة، تعبّر عنك كما أنت، لا كما يريد الآخرون أن يروك. الحضور الرقمي لا يعني التجمّل أو الاستعراض، بل هو سلوك متكامل يعبّر عنك في التفاصيل الصغيرة؛ فاختيار الكلمات اللطيفة، واستخدام صور حقيقية، وتجنّب الجدل العقيم، كلها عناصر تبني شخصيتك الرقمية بثبات وذكاء، وحتى «إيموجي» بسيط قد يبدّل شعور الطرف الآخر نحوك، لأن التواصل الرقمي مليء بالإشارات غير المنطوقة التي يفهمها الناس دون كلمات. في النهاية، صورتك الرقمية تتحدث عنك قبل أن تتحدث أنت، وتفتح لك الأبواب أو تغلقها قبل أن تطرقها. كن حاضرًا بوعي، وراقب ما تتركه من أثر، فالعالم لم يعد يراك في المكاتب والمجالس فقط، بل يراك أولاً من خلال شاشة هاتفه؛ وفي هذا الفضاء الواسع، كل منشور، وكل رسالة، وكل تفاعل، هو لبنة في بناء صورتك التي قد تسبقك إلى كل مكان.