يشكّل كتاب "عمارة البيوت والقصور التقليدية في مدينة شقراء" للدكتورة هيا ناصر الحميضي، إضافة علمية وثقافية نوعية في ميدان دراسات العمارة الطينية في المملكة، إذ يجمع بين الدقة الأكاديمية ودفء الانتماء، ليقدّم توثيقًا بصريًا ومعرفيًا لذاكرة المكان في مدينة شقراء، ويحافظ على ملامح الهوية العمرانية في مواجهة طغيان الحداثة وتسارع التحوّلات. جاء الكتاب في بنية منهجية رصينة، اعتمدت على المنهج الوصفي التحليلي والمقارن، فاستطاعت المؤلفة أن تربط بين معطيات البحث العلمي وروح التراث المحلي، مستنطقة تفاصيل العمارة الطينية في شقراء بوصفها شاهدًا على جماليات الماضي وحكمة الإنسان النجدي. افتُتح الكتاب بفصل تناول العوامل المؤثرة في عمارة البيوت والقصور التقليدية، كالعوامل الجغرافية والاجتماعية والدينية والاقتصادية، مبرزًا كيف أسهمت بيئة شقراء وواقعها الاجتماعي والاقتصادي في تشكيل ملامح عمارتها الخاصة. أما الفصل الثاني، فخصصته الباحثة لعرض المعالم المعمارية التقليدية وتخطيط البلدة القديمة، متناولةً مواقع المراكز والعناصر العمرانية المكوِّنة للمدينة، ومواد البناء وأدواته وأساليبه، مع دراسة مراحل التشييد والتخطيط في البيوت والقصور القديمة، لتكشف عن منظومة عمرانية متكاملة تراعي الوظيفة والجمال والانسجام مع البيئة. وتناول الفصل الثالث الدراسة الوصفية التصنيفية لأنماط العمارة السكنية في شقراء، محددًا الطرز المختلفة للبيوت والقصور، مثل البيت بدون أفنية، والبيت ذو الفناء الواحد المركزي، والبيت (القصر) ذو الفناءين، والبيت متعدد الأفنية، موضحةً السمات المشتركة التي تعكس الذوق النجدي في التكوين والبناء. أما الفصل الرابع فحمل الجانب التحليلي المقارن، إذ تناولت المؤلفة العناصر المعمارية والزخرفية في البيوت والقصور التقليدية، ودرست خصائصها الجمالية والفنية، لتقدّم قراءة تجمع بين التوثيق الدقيق والتحليل الجمالي للمفردة النجدية الأصيلة. ويمتد الهدف العلمي للكتاب إلى المقارنة بين عمارة البيوت التقليدية في شقراء ونظيراتها في مدن نجد الأخرى مثل المجمعة، وبعض مناطق المملكة كحائل، إلى جانب المقارنة مع العمارة الخليجية والعربية التقليدية في البحرين وقطر وعمان والأردن ومصر، ما يجعل الكتاب مرجعًا مقارنًا ثريًا يربط بين الخصوصية المحلية والتنوع الإقليمي. ولا يكتفي الكتاب بالتحليل الفني والمعماري، بل يقدّم رؤية وجدانية لمدينة شقراء بوصفها أنموذجًا مثاليًا للعمران النجدي القديم، بما تحتفظ به من معالم أثرية بارزة مثل باب العقدة وباب الطلحة وأسواق حليوه والمجلس، إلى جانب مساجدها التاريخية مثل جامع الديرة، ومسجد الحسيني، ومسجد السبيعي، وأحيائها العريقة كحي الحسيني الذي احتضن بيوت الوجهاء والعلماء والقضاة، مثل قصر السبيعي، وبيوت العيسى والجميح وإدريسة ومصباح أبا بطين وسعد البواردي. ويؤكد الكتاب أن هذه البيوت والقصور ليست مجرد مبانٍ طينية، بل سجلّ حيّ يحكي قصة الإنسان النجدي في علاقته بالمكان والبيئة والمجتمع، إذ تبرز فيها قيم التلاحم الاجتماعي والكرم والحياة البسيطة التي جمعت بين الحماية والخصوصية والجمال. وفي لمسة شعرية عبّر الشاعر سليمان بن عبدالعزيز السنيدي عن إعجابه بالكتاب قائلاً: هذا كتابٍ فيه كل التفاصيل شواهد التاريخ ومفصلينه شاهد على التاريخ جيلٍ بعد جيل مكتوب عن شقرا بماضي سنينه صوّر لنا البنيان من دون تعديل منقول في الصفحات ومصوّرينه.. بهذا العمل العلمي الموثّق، تقدّم الدكتورة هيا الحميضي مساهمة رائدة في حفظ التراث المعماري النجدي، وتؤكد أن العمارة التقليدية ليست ماضياً يُروى، بل هويةٌ حيّة تستحق أن تُصان وتُروى للأجيال القادمة.