باختصار الازدهار، الرياض اليوم غدت ساحة فكر واقتصاد، حيث تحوّلت إلى مختبرٍ عالمي لتجربة اقتصادية غير مسبوقة في المنطقة، تسعى من خلالها إلى بناء نموذج يُحتذى، عندما أصبح الاستثمار فيها أداةً لبناء الإنسان، والحوار الاقتصادي مدخلًا لتشكيل العالم الجديد.. في الرياض، المدينة التي تتقاطع فيها الطموحات مع الواقع، انعقدت الأسبوع الماضي مبادرة مستقبل الاستثمار في مشهد يعيد تعريف حضور السعودية في الاقتصاد العالمي. كان الحدث لوحة وطنية تُجسّد الرؤية، وتؤكد أن التحوّل السعودي تجاوز فكرة المؤتمر إلى ممارسة تُدار بعقل الدولة ووعي المستقبل. وفي لحظة حملت رمزيةً بالغة، تشرّف المؤتمر بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله- حيث مثّل وجوده تتويجًا للجهد ومؤشرًا على أن المبادرة هي منصة وطنية كبرى تعبّر عن التحوّل الشامل الذي تقوده المملكة، وتمثل امتدادًا لرؤية تنقل الاستثمار من الحدث إلى المنهج. فحضور سموّه منح الجلسات عمقًا استراتيجيًا، وأرسل للعالم رسالة واضحة أن القيادة السعودية تتعامل مع الاستثمار كقضية وطنية ترتبط بمستقبل الإنسان السعودي، وبموقع المملكة في الخريطة العالمية الجديدة. في أروقة مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات، التقى ثمانية آلاف شخصية من قادة المال والفكر والسياسة، في أكثر من مئتين وخمسين جلسة حوارية، تجاوزت فيها لغة الأرقام حدود الإعلان إلى فضاء التأثير، فكان وراء كل رقم قصة، ووراء كل اتفاق نية تُختبر على أرض لا تعرف التوقف عن التطوير والازدهار! كانت الرياض هي العنوان والرسالة بين مدن العالم التي تتنافس على اجتذاب الاستثمارات، عندما اختارت المملكة أن تُطلّ من عاصمتها على المشهد الدولي بثقة من يدرك مكانه في الخريطة الجديدة للعالم. وتحت شعار «مفتاح الازدهار»، برزت ملامح التحوّل الحقيقي، من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متنوع يقوم على الذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة، والاستثمار في الإنسان والمعرفة، فكان الحديث حيويًّا حدثيًّا عن الروبوتات والتحوّلات الديموغرافية انعكاسًا لرؤية وطنٍ واعية، ترسم خريطة طريق لمرحلة جديدة تتعامل فيها المملكة مع المستقبل بجرأة من يسابق الزمن! الجلسات المتنوعة والنوعية، شهدت توقيع اتفاقيات تجاوزت قيمتها 60 مليار دولار، وتأسيس شراكات نوعية في قطاعات الطاقة الخضراء، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي، والبنية التحتية المستدامة، إضافة إلى إطلاق مبادرات دولية في مجالات التمويل العادل، ودعم ريادة الأعمال النسائية، وتمكين الشباب في اقتصاد ما بعد الثورة التقنية. هذه النتائج تمثّل خطوة واقعية نحو ترجمة الرؤية السعودية إلى منظومات عمل تلامس الواقع وتخاطب المستقبل. ورغم الزخم الكبير، يبقى ما بعد الحدث هو ميدان الاختبار الحقيقي، فالاتفاقيات التي تُوقّع تحتاج إلى بيئة تنفيذية ترصد وتُتابع وتُقيّم، وهذه لاشك بيئة السعودية الحديثة، حيث الأرقام تصنع العناوين، والنجاح تصنعه المنظومات التي تُحوّل الوعود إلى واقع، والرؤية إلى منجز ينعكس في حياة الناس. إن هذا الحدث، في عمقه، لن يكتفي أن يكون موسمًا اقتصاديًا عابرًا، ولكنه تجاوز إلى إشارة سياسية واقتصادية وثقافية إلى أن السعودية تتعامل مع الاستثمار بوصفه مشروعًا حضاريًا متكاملًا. فالتنوّع في الحضور، من وادي السيليكون إلى عواصم آسيا وأوروبا، يعكس المكانة التي وصلت إليها المملكة كقوة ناعمة تجمع الاقتصاد بالثقافة، والابتكار بالمسؤولية. وفي نفس المنعطف، وبروح وشغف محافظ صندوق الاستثمار العام ياسر الرميان، حيث نجده يشغل موقعًا محوريًا بصفته رئيس مجلس إدارة مؤسسة المبادرة ومحافظ صندوق الاستثمارات العامة، فقد وجّه مسارها باقتدار، وصاغ محتواها باحترافية، ومنحها بعدها العالمي مع فريقه الرصين. وباختصار الازدهار، الرياض اليوم غدت ساحة فكر واقتصاد، حيث تحوّلت إلى مختبر عالميّ لتجربة اقتصادية غير مسبوقة في المنطقة، تسعى من خلالها المملكة إلى بناء نموذج يُحتذى في الفكر قبل المال، حيث أصبح الاستثمار أداةً لبناء الإنسان، والحوار الاقتصادي مدخلًا لتشكيل العالم الجديد من قلب الشرق. أما ختام المبادرة، فقد خرجت السعودية من الحدث كما دخلته.. بثقة أعلى، وصوت أصدق، ورسالة تصدح للعالم أن مستقبل الاستثمار يُصنع هنا ومن هنا، في أرض تعرف كيف تبني الغد وتمنحه ملامحها الخاصة!