في عصر الأربعاء التاسع والعشرين من أكتوبر، وفي قاعة جمعت القادة السياسيين والاقتصاديين من أنحاء العالم، حضر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليضيف بحضوره مساحة جديدة من الثقل الدولي لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، الذي لم يعد مجرد حدث سنوي، بل تحوّل إلى حراك كوني فريد يرسم ملامح مرحلة جديدة من التفكير الاقتصادي العالمي. منذ انطلاق مبادرة مستقبل الاستثمار في عام 2017، عندما أعلن منها سمو ولي العهد عن مشروع "نيوم" للمرة الأولى، أصبحت هذه المنصة مرآة للتحولات الكبرى التي تشهدها المملكة. اليوم، وبعد تسع نسخ متتالية، لم تعد المبادرة فعالية اقتصادية فحسب، بل أصبحت فضاءً فكريًا دوليًا يلتقي فيه القادة والمستثمرون والمبتكرون لصياغة اتجاهات المستقبل، واستكشاف آفاق جديدة للنمو والمعرفة والاستدامة. في نسختها التاسعة، التي تجاوز حضورها تسعة آلاف مشارك من أكثر من مئة دولة، أثبتت المبادرة أن الرياض لم تعد مجرد عاصمة سياسية أو اقتصادية، بل تحوّلت إلى منصة فاعلة تُعيد تعريف مفاهيم الاستثمار والابتكار، من خلال محاورها حول الذكاء الاصطناعي، وتمكين الإنسان، والتحول الأخضر، تؤكد المبادرة أن الاقتصاد لم يعد معادلة رقمية بحتة، بل منظومة متكاملة تتقاطع فيها التقنية مع القيم الإنسانية، والنمو مع الأثر الاجتماعي. يأتي حضور سمو ولي العهد في هذا التوقيت ليؤكد أن القيادة السعودية لم تعد تكتفي بإدارة الحدث، بل أصبحت تصنع الأثر وتوجّه الإيقاع العالمي. فالحضور لم يكن مجرد مشاركة رمزية، بل تعبير عن فلسفة قيادة ترى أن الفعل هو أصدق مظاهر القوة، وأن المبادرات الكبرى لا تُقاس بحجمها التنظيمي، بل بقدرتها على إحداث التغيير الحقيقي. تتحول الرياض، عبر هذا الزخم، إلى عاصمة كونية بمعناها المعاصر؛ مركز تتقاطع فيه الأفكار والتوجهات وتُعاد من خلاله صياغة مفهوم "العاصمة" بوصفها مساحة لإنتاج الرموز لا استهلاكها. فالمملكة اليوم لا تُصدّر فقط النفط أو الاستثمار، بل تُصدّر نموذجًا جديدًا للريادة التي تدمج بين الطموح والعقلانية، بين الرؤية والواقع، وبين المحلية والعالمية. لقد أصبح من الواضح أن مبادرة مستقبل الاستثمار لم تعد عنوانًا لمؤتمر، بل ترجمة عملية لرؤية تصنع حاضرًا عالميًا جديدًا من قلب الرياض.. هذه العاصمة لا تكتفي أن تكون في الخريطة، بل أصبحت هي الخريطة ذاتها، ترسم المسارات وتعيد تعريف موازين التأثير في عالم يتغيّر كل يوم.