تعد رؤية المملكة العربية السعودية 2030 خارطة طريق طموحة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط، من خلال تعزيز القطاعات الاقتصادية غير النفطية ودعم التنمية المستدامة، ومن أبرز أهدافها الاقتصادية رفع إسهام المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من 20 % إلى 35 %، لما لهذه المنشآت من دور محوري في تحفيز النمو الاقتصادي، وتوليد فرص العمل، ودعم الابتكار وريادة الأعمال. وتنبع أهمية هذا الهدف من كون المنشآت الصغيرة والمتوسطة تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد متوازن ومتنوع، فهي تخلق فرص عمل جديدة، وتزيد من مرونة الاقتصاد، وتسهم في تحقيق التنمية الإقليمية من خلال توزيع الأنشطة الاقتصادية في مختلف مناطق المملكة. إدراكًا لهذه الأهمية، اتجهت حكومتنا إلى إطلاق برامج ومبادرات متعددة لدعم هذا القطاع، من أبرزها تأسيس الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، التي تضطلع بدور رئيس في تطوير بيئة الأعمال، وتسهيل الوصول إلى التمويل، وتوفير التدريب والاستشارات لرواد الأعمال. من وجهة نظري، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب منظومة متكاملة من السياسات التي لا تقتصر على الدعم المالي فقط، بل تمتد إلى تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين البيئة التشريعية، وضمان وصول المنشآت الصغيرة إلى الأسواق المحلية والعالمية، كما أن تمكين رواد الأعمال الشباب، وتبني ثقافة الابتكار والإبداع، يمثلان ركيزتين أساسيتين لزيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات والخدمات، إن رؤية 2030 نجحت في تغيير الثقافة العامة نحو تقدير العمل الحر وريادة الأعمال، وهذا التحول الثقافي ربما يكون من أعظم إنجازاتها غير الملموسة. ولقد شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا ملموسًا نحو تحقيق هذا الهدف، وأصدرت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" تقرير مرصد المنشآت الصغيرة والمتوسطة للربع الرابع من 2024، الذي كشف عن زيادة في عدد السجلات التجارية بنسبة 67 % على أساس ربع سنوي ليصل مجموعها إلى 1.6 مليون سجل، تمركزت معظمها في العاصمة الرياض بنسبة 39 %، تليها منطقة مكةالمكرمة بنسبة 17 %، والمنطقة الشرقية بنسبة 16 %، كما ارتفع عدد الشركات الناشئة بشكل كبير في مجالات التقنية والخدمات اللوجستية والسياحة. هذا النمو يعكس نجاح المبادرات الحكومية مثل برنامج كفالة لتمويل المشاريع الصغيرة، ومبادرة تمويل المنشآت المبتكرة، إضافة إلى تسهيل الإجراءات الإلكترونية عبر منصات موحدة مثل "منشآت" و"مرن" و"بلدي". كما أسهمت الوزارات والجهات الحكومية بدور فاعل في دعم هذا الهدف؛ فوزارة التجارة تبنت إصلاحات لتسهيل تأسيس الشركات خلال دقائق عبر المنصات الرقمية، ووزارة المالية أطلقت برامج تمويل ميسرة، فيما عملت وزارة الموارد البشرية على مواءمة سياسات التوظيف لتشجيع السعوديين على الانخراط في ريادة الأعمال. كذلك أسهمت وزارة التعليم في دعم ثقافة العمل الحر من خلال مسارات ريادة الأعمال في الجامعات والمعاهد التقنية. من وجهة نظري، يظل التحدي الأكبر في ضمان استدامة هذه المنشآت وقدرتها على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، لا سيما في ظل التحولات الرقمية المتسارعة. ولذلك، ينبغي التركيز في المرحلة القادمة على دعم التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية، وتحفيز الابتكار، وتطوير المهارات الإدارية لدى رواد الأعمال لضمان استمرار إسهام هذا القطاع في دفع عجلة الاقتصاد الوطني. وختاماً: يمكن القول إن المملكة حققت خطوات كبيرة في سبيل رفع إسهام المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي، مستفيدة من الدعم الحكومي الكبير والبيئة التشريعية المرنة التي أوجدتها رؤية 2030. غير أن الوصول إلى نسبة 35 % يتطلب استمرار الجهود وتكامل الأدوار بين القطاعين العام والخاص. فتمكين هذه المنشآت ليس هدفًا اقتصاديًا فحسب، بل هو استثمار في مستقبل المملكة، وفي جيلٍ من المبدعين ورواد الأعمال القادرين على تحقيق اقتصاد سعودي أكثر تنوعًا واستدامة.