يُمثّل التنبؤ بأزمة مالية أميركية مقبلة، (كما يُناقش في عديدٍ من التقارير الاقتصادية العالميّة)، تهديدًا حقيقيًا يستند إلى تراكم عوامل اقتصادية متلازمة، مدعومة ببيانات دقيقة تعكس هشاشة النظام المالي الأميركي. وفي عالم مترابط، لا يمكن لأزمة في أكبر اقتصاد في العالم أن تبقى حبيسة حدوده، فبسبب الدور المركزي للولايات المتحدة في النظام المالي والتجاري العالمي، فإن أي اهتزاز عنيف في اقتصادها سيرسل موجات صدمات كبرى عبر العالم بأسره، ولهذا فإن عبارة "عندما تعطس أميركا، يصاب العالم بالزكام" لم تكن يومًا أكثر قربًا مما هي عليه اليوم. وبحسب الخبراء، يقف الاقتصاد الأميركي على أعتاب مرحلة حرجة قد تمتد حتى عام 2026 وما وراءه، حيث تتراكم شواهد تُنذر بأزمة مالية واقتصادية قد تفوق في تداعياتها ما شهده العالم عام 2008، ورغم الصمود الظاهري الذي يظهر على الاقتصاد الأميركي في عام 2025، فإن هذا الصمود يخفي تحته الخوف من تفاعلات تُنذر بالخطر، بين ديون متفاقمة، وتضخم عنيد، وفقاعات أصول هشة، مما قد يمهّد الطريق وفق السيناريوهات المتشائمة لانهيار محتمل مع حلول عام 2026. ويكمن جوهر الأزمة القادمة في "قنبلة الديون الموقوتة"؛ مع توقعات بأن يتجاوز الدين العام الأميركي 40.5 تريليون دولار بنهاية 2026، وما قد يحول هذا الدين من مشكلة مزمنة إلى أزمة حادة هو عبء الفائدة الخانق، الذي يتجاوز 880 مليار دولار سنويًا، مستنزفًا موارد تفوق ميزانية الدفاع، ومجبرًا الحكومة على المزيد من الاقتراض في حلقة مفرغة. وهذا الوضع سيزعزع البقية من المستثمرين العالميين، وقد بدأت بنوك مركزية كبرى عالمية –بالفعل– في تنويع احتياطاتها بعيدًا عن سندات الخزانة الأميركية، في إشارة واضحة إلى فقدان الثقة في الدولار كأصل آمن، وقد تجسّد هذا الفقدان للثقة في الارتفاع الصارخ لأسعار الذهب لمستويات تاريخية وصلت حدود 4400 دولار للأونصة، حيث يتسابق المستثمرون لحماية رؤوس أموالهم من مخاطر قنبلة الديون الموقوتة وتآكل قيمة الدولار. ويتزامن هذا مع معضلة يواجهها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الذي يسير على حبل مشدود بين كبح التضخم وتجنب الركود، ما وضعه أمام خيارين أحلاهما مر: إما خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد المتباطئ، والمخاطرة بإعادة إشعال التضخم وتغذية فقاعة الأسهم، أو إبقاء الفائدة مرتفعة، مما قد يعجّل بدفع الاقتصاد نحو ركود حاد. ولهذا فإن التصحيح الحادّ (المتوقع) في سوق الأسهم الأميركي، مدفوعًا بعدم واقعيّة تقييمات شركات التكنولوجيا مقارنة بأرباحها الفعلية، سيؤدي إلى تجميد فوري للإنفاق، وتباطؤ أكثر في سوق العمل، مما سيزيد من احتمالية الركود. والإشكالية الكبرى، أن تداعيات هذا الانهيار المحتمل لن تبقى داخل الحدود الأميركية، بسبب هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي، فأزمة الثقة في سندات الخزانة الأميركية، التي تعد المعيار العالمي للأصول "الخالية من المخاطر"، سترفع تكاليف الاقتراض على الحكومات والشركات، وبهذا ستكون الدول النامية والأسواق الناشئة، المثقلة بديون مقومة بالدولار، الأكثر عرضة للخطر، إذ سيقود هروب رؤوس الأموال إلى هبوط عملاتها، وارتفاع التضخم المستورد، وربما موجة من حالات التخلف عن سداد الديون السيادية. أمّا في أوروبا، فقد يؤدي الركود الأميركي إلى دفع منطقة اليورو، التي تعاني أصلًا من نمو ضعيف، إلى ركود كامل، وستكون الصين في مواجهة تحديات أكبر، ليس أقلها انخفاض نموها الاقتصادي مما يهدد استقرارها الاجتماعي. الخلاصة، يقف الاقتصاد العالمي على حافة الهاوية، معتمدًا على صمود اقتصاد أميركي يعتمد على "مسكنات" مؤقتة مثل الاقتراض الزائد، وهذا الوضع قد يهدد بتحويل التباطؤ التدريجي إلى انهيار عالمي مفاجئ. وبينما لا تزال فرصة تجنب الكارثة مفتوحة، إلا إنها -حسب خبراء- قد تطير بسرعة، ما يستلزم إصلاحات أميركية فورية جريئة –كتقليل العجز وإعادة هيكلة الدين– وجهودًا دولية منسقة، مثل تنويع الاحتياطيات وتخفيف الاعتماد على الدولار، قبل فوات الأوان. * قال ومضى: لا أعرف ما يخبئه المستقبل، ولكني درست الماضي جيّدًا..