الكتاب: The Dollar Crisis: Causes, Consequences, Cures المؤلف: Richard Duncan الناشر: John Wiley and Sons (Asia) Pte Ltd, Singapore, 2003 الاقتصاد الأمريكي على وشك الانهيار ومعه سينهار الاقتصاد العالمي ككل. هذا هو ما يريد ريتشارد دونكان أن يؤكده في كتابه الصادر عام 2003 تحت عنوان : أزمة الدولار: الأسباب والعواقب والعلاج حيث يقدم لنا الخبير الاقتصادي الأمريكي رؤية تحذيرية واضحة للمشكلات التي يواجهها الاقتصاد العالمي وصولا إلى النتيجة التي يقدمها باعتبارها نتيجة حتمية وهي أن الاقتصاد العالمي على شفا الهاوية. مؤلف الكتاب هو محلل اقتصادي له باع طويل في التعامل مع الاقتصاد الآسيوي وتنبأ منذ عام 1993بانهيار العملة المحلية التايلاندية (البات) ومعها انهيار الاقتصاد التايلاندي والاقتصاديات الآسيوية ككل عامي 1997و1998 وكان يعمل مستشارا لصندوق النقد الدولي خلال ذروة الأزمة المالية الآسيوية ويعلم الكثير عن ملابسات الاسباب التي تؤدي الى الانهيارات المالية. ويرجع دونكان الأزمة الحالية إلى إلغاء النظام النقدي الذي وضعه الرئيس الأول لصندوق النقد الدولي بيرتون وودز في عام 1973 الذي كان يربط النظام النقدي بالذهب. وقال إنه عندما كان النظام النقدي العالمي مرتبطا كلية بالذهب فإن القيمة الاجمالية لاحتياطات دول العالم من النقد زادت فقط بنسبة 55 في المائة فقط خلال الفترة من 1949 حتى عام 1969 بمعدل 2.2 في المائة سنويا في المتوسط. ولكن منذ عام 1969 تخطت الاحتياطات النقدية لدول العالم نسبة 1900 في المائة حتى الآن بما يعادل 54.2 في المئة سنويا تقريبا. والنظام النقدي الذي حل محل نظام بيرتون وودز اعتمد على ربط العملات الأجنبية بالدولار الامريكي. ونظراً لأن احتياطيات العملات للعالم أصبحت مجرد أموال ورقية فإن دونكان يرى أن هذا النظام الجديد لا يتضمن أن وسيلة حقيقية لتقييم نمو إمدادات النقود في العالم. وما دامت البنوك المركزية في العالم ترغب في إقراض ما لديها من فوائض نقدية في صورة احتياطيات بالدولار الأمريكي فإن الولاياتالمتحدة تستطيع تجاهل تضخم العجز في موازنتها أو ميزانها التجاري دون أن تكترث بعواقب انهيار الدولار الأمريكي. ولكن يبدو أن الولاياتالمتحدة سوف تحصد اليوم ما زرعته على مدى ثلاثين عاما مضت عندما تجد نفسها حاليا أمام أزمة اقتصادية حقيقية. ويرى دونكان أن النظام النقدي العالمي الآن يعاني من ثلاث ثغرات تجعله غير مستقر. أولى هذه الثغرات أنه يسمح لدول محددة بالاحتفاظ بحساب جار ضخم وفائض في رؤوس الأموال أو الحسابات المالية على مدى فترة زمنية طويلة ولكن هذا يسبب لهذه الدول دورات ازدهار وانكماش اقتصادي سريعة وقوية مما يؤدي إلى اضطراب بنوكها وانهيار الوضع المالي لحكوماتها. ثانية الثغرات هي أن هذا النظام النقدي يجعل كفاءة أداء الاقتصاد العالمي متوقفة على استمرار نمو الاقتصاد الأمريكي المثقل بالديون الذي يعاني حاليا من عدم استقرار واضح. أما ثالثة الثغرات فهي أن النظام النقدي العالمي الحالي يولد الركود والكساد. ويشرح دونكان فكرته ضاربا المثل باليابان التي كانت تحقق فائضا تجاريا كبيرا مع الولاياتالمتحدة خلال السبعينيات والثمانينيات مما أدى إلى زيادة كبيرة في احتياطياتها من النقد الأجنبي المعتمد على الدولار بصورة أساسية. وقد أدى هذا إلى دخول الاقتصاد الياباني مرحلة الوفرة النقدية مما أدى إلى زيادة الدخل النقدي لليابانيين وتوسع المؤسسات المالية في تقديم القروض لمن يريد. وارتفعت قيمة الأصول مما أدى إلى انفجار فقاعة الانتعاش الاقتصادي نتيجة تراكم الديون على الشركات اليابانية. ونظرا للزيادة الكبيرة في الاستثمارات خلال فترة الازدهار الاقتصادي في الوقت الذي لم تزد فيه القدرة الشرائية للناس بنفس النسبة فإن الأسواق عانت من زيادة كبيرة في المعروض. وبالتالي دخل الاقتصاد مرحلة الركود. وكانت الشركات هي أكثر المتضررين من هذه الحالة. ثم إن البنوك وجدت نفسها في مأزق تراكم السيولة النقدية لديها بسبب غياب أي فرص استثمارية جديدة. ومعظم دول العالم التي لديها فائض في ميزان المدفوعات مع الولاياتالمتحدة تحول أغلب هذا الفائض إلى أصول بالدولار. ويقول دونكان إن مثل هذا التدفق الهائل في رؤوس الأموال الأجنبية إلى الاقتصاد الأمريكي أدى إلى زيادة الاقبال على الاقتراض في أمريكا خلال التسعينيات مما أدى في الوقت نفسه إلى فقاعة اقتصادية موازية تعتمد على أسعار الأصول. ويحذر دونكان من نفاد الوقت أمام استمرار مثل هذه الدورة الاقتصادية. فقد دخل الاقتصاد الأمريكي أولى مراحل الإفلاس التي تميزت بانهيار الجدارة الائتمانية للشركات. ولكن ما يخفي حقيقة دخول الاقتصاد الأمريكي هذه المرحلة هو استمرار الانفاق الاستهلاكي من جانب المستهلكين الأمريكيين الذين يواصلون الاقتراض بضمان ثرواتهم العقارية اعتمادا على أسعار الفائدة المنخفضة. ولكن هذه الفقاعة الاقتصادية انفجرت أيضا بعد أن تضخمت ديون المستهلكين الأمريكيين إلى مستويات خطيرة. وما زالت أسعار الكثير من الأصول وبخاصة الأسهم والعقارات الامريكية تفوق قيمتها الحقيقية. كما أن الاستثمار الزائد عن الحد يهدد بدخول الاقتصاد الامريكي مرحلة الكساد. وعندما تأتي المرحلة الثانية من إفلاس الاقتصاد الأمريكي لن يكون النظام النقدي صالحا للعمل نظرا لأن أسعار الفائدة وصلت بالفعل إلى أدنى مستوى لها منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق إيزنهاور في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ومما يزيد الأمر سوءا أن عدد المحافظ المالية الأمريكية التي تحقق عائدات إيجابية اليوم أصبح أقل. وإذا توقفت دول العالم عن شراء الأصول الأمريكية من أسهم وسندات فكيف ستتمكن أمريكا من تمويل العجز التجاري الذي يبلغ حوالي 500 مليار دولار سنويا؟ معنى هذا أن الدولار سوف ينهار بصورة أكبر مما يعني تحويل الركود المتوقع إلى أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة. ويعرض دونكان موقفه بقوة ووضوح. فالكتاب يحتوي على 177 جدولا ورسما توضيحيا التي شملت عددا من الأخطاء الطباعية مثل القول بأن إجمالي أصول السوق الائتماني في أمريكا بلغ خلال الربع الثالث من عام 2001 مبلغ 25 مليار دولار فقط. ورغم ذلك فإن هذه الجداول الرسوم تساعد في تكثيف أفكار المؤلف وتوصيلها للقارئ. ولكن في النهاية فإن من أهم عيوب كتاب دونكان هو أحادية النظرة التي يعرضها حيث تجاهل تماما أي وجهات نظر أخرى قد تكون مناقضة لحجته. على سبيل المثال فهو وصف كيف أدى الفائض التجاري الضخم لدى الصين مع الولاياتالمتحدة إلى الزيادة الكبيرة في عمليات الاقتراض بالصين دون أن يذكر أن النظام المصرفي الصيني الخاضع للدولة يحدد سياسات الاقتراض على أساس معايير غير اقتصادية. كما أنه يكرر باستمرار أن النظام النقدي العالمي الذي حل محل نظام بيرتون وودز لا يتضمن أي آلية للتعديل أو التصحيح الذاتي في حين أن الواقع يقول إن القدرة على التعديل والتغيير تأتي من خلال التداول الحر للعملات. والحقيقة أن المسألة ليست مسألة غياب آلية للتعديل ولكن الدول اختارت فقط التغلب عليها من خلال التدخل في أسواق الصرف لأن لديها أولويات أخرى. فالبنك المركزي على سبيل المثال يمكن أن يهتم بمكافحة التضخم أو الحفاظ على استقرار سعر الصرف لتسهيل تدفق الاستثمارات الأجنبية أكثر من اهتمامه بالاحتفاظ بخيار استخدام السياسة النقدية لجعل الدورة الاقتصادية أكثر مرونة. ولكن مثل هذه المخاوف لم ترد ضمن كتاب دونكان. والعالم الاقتصادي الذي يصفه دونكان هو عالم تتحرك فيه قوى الاقتصاد العنيدة في فضاء مطلق حيث لا توجد أي مضاعفات تواجه هذا الاقتصاد. فهو مثلا يرجع فورة الائتمان في تايلاند خلال التسعينيات والتي أدت إلى الانهيار الاقتصادي فيما بعد إلى وجود فائض في ميزان المدفوعات. ولكن هل كان من الممكن أن يحدث مثل هذا الانهيار بسبب فائض ميزان المدفوعات لو لم تتعرض هذه الدولة إلى ضغوط قوية من أجل تحرير سوقها الرأسمالي قبل أن يتمكن بنكها المركزي من تطوير وسائل الرقابة اللازمة؟ ثم ماذا لو أنه لم يسمح للبنوك المركزية بتلقي الودائع قصيرة الأجل في سوق ودائع الليلة الواحدة الدولية دون وجود الاحتياطيات اللازمة أو القروض طويلة الأجل في بلادها؟ ربما لا يمكن رصد المواقف السياسية وهي التي تجعل المؤلف ينطلق من ملاحظاته إلى أحكامه المسبقة المحددة بسهولة في كتابه خاصة وأنه كان حريصا على إخفائها بالفعل. ويكشف الكتاب عن ثقة دونكان الضعيفة بالأسواق. فهو يقول: إذا أزيلت كل الحواجز التجارية بين دول العالم فإنه لن يتم تصنيع أي سلعة في الدول الصناعية المتقدمة بحلول عام 2010 والتجارة الحرة من وجهة نظره ليست سوى إيجاد نوع من الخلل الهيكلي في الاقتصاد العالمي الذي يعاني من حالة ركود كبير بسبب الاجور المنخفضة للعمالة في الدول النامية. ولكن دونكان يتجاهل حقيقة أن هناك مجموعة من الدول التي تمتلك مزايا لا تقارن في جميع الأحوال. كما أن دونكان يستمر في تجاهل حقيقة أن الأجور تحكمها في بعض الأحيان الفروق الإنتاجية بين دول العالم. فإنتاجية عامل المصنع في تايلاند على سبيل المثال أقل من انتاجية عامل نفس المصنع في الولاياتالمتحدة. وفي ختام كتابه يعرض دونكان اقتراحين لتفادي انهيار الدولار المنتظر. الأول عقد معاهدة دولية لتحديد حد أدنى للأجور في جميع دول العالم. ولكن نظرا لتفاوت إنتاجية العامل في الدول النامية ونظيره في الدول المتقدمة فإن تحديد حد أدنى للأجور على مستوى العالم سوف يؤدي إلى نتائج كارثية على القدرة التنافسية لبعض الدول. كما أنه يؤكد بسعادة كبيرة أن السبب المقنع الوحيد الذي يجعل أي حكومة تعارض خطة لزيادة أجور شعبها في زمن الكساد هو الخوف من زيادة بعض الدول لصادراتها مع إعطاء عمالها أجور أقل مما يتيح لها عرض سلعها بأسعار أقل. والحقيقة أن الدول لا تمنح أجورا وإنما الشركات هي التي تمنح هذه الأجور. والمجموعة الوحيدة التي ستعترض بالتأكيد على زيادة الأجور هم هؤلاء الذين ينتهكون القانون والذين يمتلكون نفوذا سياسيا هائلا بلا شك. ومن المؤكد أن المستفيد من مثل هذه السياسة هم أصحاب المصانع في الدول الصناعية الكبرى الذين سيجدون أنفسهم فجأة أكثر قدرة على المنافسة دون الحاجة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات من أجل زيادة انتاجيتهم. أما الاقتراح السياسي الثاني الذي يقدمه دونكان لتفادي الكارثة الاقتصادية والتي ستؤدي الى انهيار اقتصاد العالم بانهيار الاقتصاد الأمريكي هو إنشاء بنك مركزي عالمي. وهو يرشح صندوق النقد الدولي للقيام بوظيفة بنك مركزي العالم. ويمكن لهذا البنك المقترح التحكم في زيادة التدفقات النقدية العالمية من خلال تخصيص احتياطيات جديدة وفقا لمجموعة معايير بينها أولويات التنمية.