تقف صناعة الإسمنت في المملكة على مفترق طرق، حيث يمكنها الاستفادة من التجارب العالمية وصفقات الاندماج والاستحواذ في القطاع الحيوي، والذي يُعد العمود الفقري في المشاريع السكنية والتجارية والبنية التحتية، في الوقت نفسه، توفر الابتكارات مثل الإسمنت الحيوي، وإعادة تدوير الخرسانة، والمصانع الذكية، فرصاً لتعزيز تنافسية السوق، التي تدعم استقرار أسعار الوحدات السكنية بنحو 5 %، مما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 لتوفير إسكان ميسور التكلفة. في هذا التقرير، تستعرض «الرياض» أبرز التجارب العالمية في إنتاج الإسمنت، وكيفية تأثير ذلك على أسعار الوحدات السكنية في المملكة، في إطار رؤية 2030. نظرة على السوق: يُقدر حجم سوق الإسمنت العالمي بنحو 530 مليار دولار، مع توقعات بالنمو إلى 674 مليار دولار بحلول 2030 بنسبة نمو سنوي 5 %، حيث تهيمن آسيا والمحيط الهادئ على 80 % من السوق، مدفوعة بالتنمية الحضرية في الهند (نمو 42 % بحلول 2030)، بينما يتراجع الطلب في الصين بنسبة 3 % سنوياً بسبب التباطؤ العقاري، من جهة أخرى، تشهد أسواق أمريكا الشمالية نمواً بنسبة 20 % بفضل استثمارات البنية التحتية، أما أفريقيا فمن المتوقع أن تنمو بنسبة 77 % بحلول 2030. وفي السعودية، يبلغ حجم السوق حوالي 3.78 مليار دولار، مع توقعات بوصوله إلى 5.93 مليار دولار بحلول 2030 بنمو سنوي 5.2 %، وتشير التقديرات إلى أن صادرات الإسمنت من المملكة ستصل إلى 8.5 مليون طن في 2025، مقارنة ب 2 مليون طن في 2024، ما يمثل نمواً استثنائياً بنسبة تقارب 325 %، ورغم هذه القفزة، فإن خطط التوسعة الإنتاجية بقيت محدودة. فمن المتوقع أن يبلغ الإنتاج الفعلي للقطاع 57.5 مليون طن في 2025، بزيادة طفيفة عن العام السابق، في حين سيصل إجمالي المعروض إلى 102.5 مليون طن، مقارنة ب97.3 مليون طن في 2024. الولاياتالمتحدة: التقاط الكربون والاقتصاد الدائري في الولاياتالمتحدة، تتصدر صناعة الإسمنت الجهود العالمية في اعتماد تقنيات التقاط وتخزين الكربون.. شركة سيمكس تستثمر في مشاريع تجريبية تلتقط أكثر من 90 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مصانعها، بدعم من إعانات حكومية بقيمة 500 مليون دولار ضمن قانون خفض التضخم الصادر في عام 2022. تستخدم النفايات الصناعية والبلدية كوقود بديل بنسبة 40 % في مصانع مثل مصنع تكساس، مما خفض الانبعاثات المرتبطة بالطاقة بنسبة 28 %، وبالإضافة إلى ذلك، تُستخدم الخرسانة الموصلة بجزيئات الكربون لمراقبة الإجهاد الهيكلي في المباني الشاهقة، مما يقلل تكاليف الإصلاح بنسبة 20 %، وقد أدت هذه الابتكارات، رغم ارتفاع تكلفتها الأولية بنسبة 20 %، إلى استقرار أسعار الإسمنت وخفض تكاليف الإسكان بنسبة 2 % في المناطق الحضرية بالولاياتالمتحدة. الصين: الإنتاج الضخم مع الاستدامة كأكبر منتج عالمي للأسمنت بحصة 55 % من الإنتاج العالمي، تستخدم الصين المواد التكميلية مثل الرماد المتطاير والخبث لتقليل نسبة الكلنكر، مما خفض الانبعاثات بنسبة 20 % منذ 2010، وقد طورت شركة الصين الوطنية لمواد البناء تقنيات الاحتراق بالأكسجين التي تلتقط 99 % من الكربون، وتستخدم الذكاء الاصطناعي في المصانع الذكية لتحسين استهلاك الطاقة، مما قلل التكاليف التشغيلية بنسبة 15 %، وبفضل هذه الجهود استقرت أسعار الإسمنت، مما خفض تكاليف البناء في المدن الكبرى بنسبة 3 %، خاصة في مشاريع الإسكان الاقتصادي. ألمانيا: الكفاءة والابتكار الأخضر تُعتبر ألمانيا رائدة في الاستدامة، حيث تستخدم شركة هايدلبرغ ماتيريالز تقنيات التقاط الكربون بنسبة 70 % في مصانع مثل بريمرهافن، مع الاعتماد على الوقود الحيوي بنسبة 50 %، وقد استثمرت ألمانيا 1.2 مليار يورو ضمن "الصفقة الخضراء الأوروبية" لتحديث المصانع، مما خفض الانبعاثات بنسبة 25 % منذ 2000، كما تستخدم المصانع الألمانية الخرسانة المعاد تدويرها في 30 % من مشاريع الإسكان المستدام، مما يقلل التكاليف بنسبة 8 %.. وقد زادت هذه الجهود تكاليف الإنتاج بنسبة 12 %، لكنها حافظت على استقرار أسعار الوحدات السكنية. بريطانيا: الإسمنت منخفض الكربون تركز شركة هانسون البريطانية على إنتاج أسمنت يحتوي على 30 % من المواد المعاد تدويرها، مما خفض الانبعاثات بنسبة 15 %، بينما تستخدم النفايات البلدية المعالجة كوقود بنسبة 40 %، مدعومة بلوائح "خطة الوصول إلى الصفر الصافي 2050"، وقد زادت هذه الجهود تكاليف الإسمنت بنسبة 8 %، لكنها ساهمت في استقرار أسعار الإسكان في لندن من خلال دعم مشاريع البناء المستدام. فرنسا: المواد البديلة تعتمد فرنسا على أسمنت منخفض الكلنكر باستخدام الجير المكلس والخبث، حيث طورت شركة لافارج هولسيم أسمنتاً يقلل الانبعاثات بنسبة 30 %، كما تستخدم الطاقة المتجددة في 25 % من مصانعها، مما خفض تكاليف الطاقة بنسبة 10 %، وقد قللت هذه الابتكارات تكاليف البناء في باريس بنسبة 2 %، مع إعطاء الأولوية للمشاريع الصديقة للبيئة. سنغافورة: كفاءة الموارد المحدودة رغم محدودية مواردها، تعتمد سنغافورة على استيراد الإسمنت مع تحسين الكفاءة، وقد طورت شركة بان آسيان أسمنتاً منخفض الكربون باستخدام الرماد المتطاير بنسبة 40 %، مما خفض الانبعاثات بنسبة 20 %، كما تستخدم الخرسانة ذاتية الإصلاح في الجسور، مما يقلل تكاليف الصيانة بنسبة 25 %، في الوقت نفسه هبطت تكاليف الإسكان في المشاريع الحكومية بنسبة 3 %. اليابان: التكنولوجيا وإعادة التدوير تعتمد اليابان على التكنولوجيا المتقدمة، حيث تستخدم شركة تايهايو، أكبر مُصنّع للأسمنت في اليابان، النفايات الصناعية كوقود بنسبة 50 % وتقنيات الجيوبوليمر التي تقلل الانبعاثات بنسبة 80 %، كما تُطبق إعادة تدوير الخرسانة بنسبة 100 % في مواقع البناء، مما خفض تكاليف المواد بنسبة 10 % واستقرت أسعار الإسكان في طوكيو، من جهة أخرى، تقلل الخرسانة المرنة المقاومة للزلازل الأضرار بنسبة 50 %. أستراليا: المواد المحلية تعتمد شركة أديلايد برايتون المتخصصة في صناعة مواد البناء، على الخبث المحلي لإنتاج أسمنت منخفض الكربون، مع استخدام النفايات الصلبة كوقود بنسبة 30 %، مما خفض الانبعاثات بنسبة 15 %، وقد أسهمت هذه الجهود، بدعم من سياسات الاقتصاد الدائري، في استقرار تكاليف البناء في سيدني، مع خفض طفيف في أسعار الوحدات السكنية بنسبة 2 %. أهم اللاعبين الدوليين في سوق الإسمنت: عالمياً، تشمل الشركات الرائدة: "الصين الوطنية" لمواد البناء (حصة 20 %)، و"لافارج هولسيم" (تعمل في 70 دولة)، و"هايدلبرغ ماتيريالز" الرائدة في أوروبا، و"سيمكس" التي تركز على التقاط الكربون، و"ألتراتك" للأسمنت التي تهيمن على الهند، و"تايهيو" للأسمنت الرائدة في اليابان، و"دانغوتي" وهي ناشئة في أفريقيا بحصة 5 %. صفقات الاندماج والاستحواذ: يُقدر حجم صفقات الاندماج والاستحواذ في سوق الإسمنت العالمي بنحو خمسة مليارات دولار في عام 2025، ويتركز النشاط في الهند (70 % من الصفقات)، مع صفقات بارزة مثل استحواذ هواشين للأسمنت على لافارج أفريقيا بقيمة 774 مليون دولار، ومجموعة أداني على عمليات هايدلبرغ ماتيريالز في الهند بقيمة 1.2 مليار دولار، كما استحوذت ألتراتك للأسمنت على إنديا سمنتس بقيمة 225 مليون دولار، وكيسورام إندستريز، وأمبوجا للأسمنت على سانغي إندستريز بقيمة 606.5 مليون دولار، وأداني للأسمنت على أورينت سمنت بقيمة 970 مليون دولار، وفي أمريكا الجنوبية، استحوذت "بوزي إس بي إيه" على شركة "إن سي بار" بقيمة 300 مليون دولار. التأثير على السوق السعودي: 1. المنافسة الإقليمية: صفقات مثل استحواذ هواشين للأسمنت على لافارج أفريقيا تزيد الضغط التنافسي على الشركات السعودية في أسواق التصدير الأفريقية، حيث تصدر المملكة 10 % من إنتاجها، وهذا يدفع بعض الشركات لتعزيز الصادرات إلى أفريقيا وجنوب آسيا، مما يخفف الفائض المحلي (60 % استخدام القدرة الإنتاجية) ويحافظ على استقرار أسعار الإسمنت عند 37.83 ريال لكيس 50 كجم. 2. نقل التكنولوجيا: تشجع الصفقات العالمية الشركات السعودية على تبني تقنيات التقاط الكربون والإسمنت الأخضر، مما يتماشى مع "المبادرة السعودية الخضراء"، وهذا يزيد تكاليف الإنتاج الأولية بنسبة 15 %، لكنه يقلل التكاليف طويلة الأمد بنسبة 13 %. 3. الاندماجات المحلية: يحفز النشاط العالمي اندماجات محتملة.. مما يعزز الكفاءة ويقلل تكاليف الإنتاج بنسبة 5-10 %. 4. سلاسل التوريد: ترفع التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، مع زيادة الطلب على النقل البحري، تكاليف الشحن بنسبة 12 %، مما يزيد تكاليف استيراد المواد الخام مثل الخبث بنسبة 7 %. التحديات الرئيسة: تساهم صناعة الإسمنت ب8 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية (1.6 مليار طن)، مع حاجة لاستثمارات 60 مليار دولار سنوياً لتحقيق الصفر الصافي بحلول 2050. ويؤدي ارتفاع تكاليف الطاقة بنسبة 15 % واللوائح البيئية مثل "الصفقة الخضراء الأوروبية" إلى زيادة تكاليف الإنتاج بنسبة 10-15 %، بينما يضغط الفائض الإنتاجي في الصين وتركيا على الأسعار، في الوقت نفسه، تزيد الغرامات التنظيمية، مثل 269 مليون دولار في ناميبيا، من المخاطر. تأثير الإسمنت على أسعار الوحدات السكنية: يشكل الإسمنت 20-30 % من تكاليف البناء، حيث يؤدي ارتفاع أسعاره بنسبة 10 % إلى زيادة أسعار الوحدات السكنية بنسبة 2-5 %، وفي الصين، خفضت الابتكارات تكاليف البناء بنسبة 3 %، بينما زادت اللوائح في أوروبا التكاليف بنسبة 8 %، وفي السعودية، سجلت أسعار الإسمنت في مايو أعلى مستوى لها خلال 12 عاما، ليصل متوسط سعر كيس الإسمنت وزن 50 كيلو عند 14.45 ريال، مما زاد تكاليف البناء بنسبة 8-10 % وأسعار الوحدات في الرياض بنسبة 5 %. الابتكارات في قطاع الإسمنت: الإسمنت الحيوي: شركات مثل بيوماسون في الولاياتالمتحدة تستخدم البكتيريا لإنتاج كربونات الكالسيوم، مما يقلل الانبعاثات بنسبة 70 %. هذه التقنية تُستخدم في هولندا لأرصفة مستدامة، مما يقلل تكاليف الصيانة بنسبة 15 %. إعادة تدوير الخرسانة: اليابان تُعيد تدوير الخرسانة بنسبة 100 % في مواقع البناء، مما يقلل تكاليف المواد بنسبة 10 %. الخرسانة ذاتية الإصلاح: في سنغافورة، تُستخدم كبسولات دقيقة في الخرسانة لإصلاح الشقوق تلقائياً، مما يقلل تكاليف الصيانة بنسبة 25 %. الإسمنت في الفضاء: تقنيات مثل الخرسانة القائمة على المواد القمرية تُطوَّر للاستيطان الفضائي، مما يفتح آفاقاً لمواد فائقة المتانة في المناطق الصحراوية. الإسمنت المقاوم للحرارة والزلازل: في السعودية وأستراليا، يُستخدم الإسمنت المقاوم للحرارة في المشاريع الصحراوية، بينما تستخدم اليابان الخرسانة المرنة لتقليل الأضرار الزلزالية بنسبة 50 %. مقترحات لتعزيز السوق السعودية: 1. تبني تقنيات التقاط الكربون: الاستثمار في تقنيات التقاط وتخزين الكربون، كما في الولاياتالمتحدة، مع إعانات حكومية تغطي 30 % من التكاليف الأولية. 2. استخدام المواد التكميلية: تقليل نسبة الكلنكر باستخدام الرماد المتطاير والخبث المحلي، كما في الصين، لخفض الانبعاثات بنسبة 20 % والتكاليف بنسبة 10 %. 3. تطوير مصانع ذكية: اعتماد الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الطاقة، كما في الصينواليابان، لتوفير 15 % من تكاليف الإنتاج. 4. تشجيع الوقود البديل: استخدام النفايات الصلبة بنسبة 40 % كوقود، كما في ألمانياوبريطانيا، لخفض تكاليف الطاقة بنسبة 20 %. 5. إعادة تدوير الخرسانة: تطبيق أنظمة إعادة تدوير الخرسانة في مواقع البناء، كما في اليابان، لتقليل هدر المواد بنسبة 10 %. 6. تخفيف اللوائح: تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تتبنى تقنيات خضراء، على غرار أستراليا. 7. تدريب العمالة: إنشاء مراكز تدريب للعمالة المحلية لتلبية احتياجات مشاريع عملاقة مثل نيوم والقدية. 8. الشراكات الدولية: التعاون مع شركات مثل هايدلبرغ ماتيريالز، وسيمكس، وهواشين للأسمنت لنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى السعودية. 9. دعم الإسمنت الأخضر: إطلاق مبادرات حكومية للترويج للأسمنت منخفض الكربون في مشاريع «سكني»، مع قروض ميسرة للمطورين. 10. تحسين النقل: تطوير شبكات لوجستية فعالة لتقليل تكاليف النقل بنسبة 15 %، خاصة في موسم الحج. 11. تعزيز الصادرات: استهداف أسواق أفريقيا وجنوب آسيا لتصدير الفائض الإنتاجي، مما يخفف الضغط على الأسعار المحلية. 12. تشجيع الاندماجات المحلية: دعم دمج الشركات المحلية لتعزيز الكفاءة حسب ظروف كل شركة. 13. إنتاج أسمنت منخفض التكلفة: استخدام مواد محلية لإنتاج أسمنت اقتصادي، كما في أفريقيا، لدعم برنامج «سكني».