قلص الذهب بعض مكاسبه، في إغلاق تداولات الأسبوع الفائت، أمس الأول الجمعة، بعد أن ارتفع لفترة وجيزة فوق مستوى 4000 دولار للأوقية للمرة الثانية هذا الأسبوع، حيث أدى تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب من احتمال فرض رسوم جمركية جديدة على الصين إلى تسريع التوجه نحو أصول الملاذ الآمن. ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.4 % ليصل إلى 3989.48 دولارا للأوقية. وحقق المعدن الأصفر مكاسب بنسبة 2.7 % هذا الأسبوع. واستقرت عقود الذهب الأميركية الآجلة تسليم ديسمبر على ارتفاع بنسبة 0.7 % لتصل إلى 4000.40 دولار. صرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الجمعة بأنه لا يوجد سبب للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية خلال أسبوعين كما هو مخطط. وأضاف في منشور على موقع "تروث سوشيال" أن الولاياتالمتحدة تدرس زيادة هائلة في الرسوم الجمركية على الواردات الصينية. عقب هذا الخبر، تجاوز الذهب لفترة وجيزة حاجز 4000 دولار للأونصة، ليصل إلى أعلى مستوى له في الجلسة عند 4022.52 دولار. وقال تاي وونغ، وهو تاجر معادن مستقل: "إن تصعيد الحرب التجارية مجددًا سيُضعف الدولار، وسيكون خيارًا جيدًا للملاذات الآمنة". انخفض الدولار الأميركي بنسبة 0.5 %، مما جعل السبائك المقومة بالدولار أرخص للمشترين الأجانب. كما تراقب الأسواق عن كثب المخاطر المتعلقة باحتمال انهيار الحكومة الفرنسية والإغلاق الحكومي المستمر في الولاياتالمتحدة. إلى جانب ذلك، يتوقع المستثمرون أن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في كل من أكتوبر وديسمبر. وتُعتبر السبائك غير المُدرّة للعائد، والتي بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 4,059.05 دولارًا أميركيًا يوم الأربعاء، وسيلة تحوّط تقليدية خلال فترات عدم اليقين الأوسع. أسهمت المخاطر الجيوسياسية، إلى جانب الإقبال القوي على شراء الذهب من قِبَل البنوك المركزية، وتدفقات صناديق الاستثمار المتداولة، وتوقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية، وعدم اليقين الاقتصادي الناجم عن الرسوم الجمركية، في ارتفاع سعر الذهب. وقال حمد حسين، الخبير الاقتصادي في شؤون المناخ والسلع في كابيتال إيكونوميكس: "بشكل عام، هناك خطر من تراجع الأسعار على المدى القصير نظرًا لسرعة ارتفاع أسعار الذهب في الأسابيع الأخيرة. ولكن على مدار العامين المقبلين، من المرجح أن ترتفع أسعار الذهب بشكل حاد". تستفيد الفضة أيضًا من نفس العوامل التي تُحفّز ارتفاع سعر الذهب، إلى جانب المخاوف بشأن نقص المعروض وارتفاع الطلب على المعدن. ارتفعت الفضة بنسبة 2.1 % لتصل إلى 50.13 دولارًا للأونصة، بعد يوم من وصولها إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 51.22 دولارًا. وقد حققت مكاسب تجاوزت 73 % حتى الآن هذا العام. وتم تداول عقود الفضة الآجلة في بورصة كومكس لشهر ديسمبر 2025 عند 47.32 دولارًا. وقال أليكس إبكاريان، مدير العمليات في شركة أليجانس جولد: "إن تراجع سعر الفضة يُشير بوضوح إلى أن الطلب المادي يسحق المعروض من الأوراق المالية إذا استمر التراجع واستمر الطلب المادي في الارتفاع، فإن تجاوز سعر الفضة لمستوى 50 دولارًا والحفاظ عليه فوق هذا المستوى أمر واقعي للغاية". والتراجع هو عندما يكون السعر الفوري للسلعة أعلى من سعرها المستقبلي. ومن بين المعادن الأخرى، انخفض البلاتين 1.4 % إلى 1596.55 دولارا للأوقية وسجل خسارة أسبوعية، في حين تراجع البلاديوم 0.3 % إلى 1406.87 دولارات، مسجلا ارتفاعا أسبوعيا بأكثر من 12.6 %. وقالت رانيا جول، كبير محللي الأسواق في إكس اس دوت كوك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يبدو أن الذهب يمر بمرحلة دقيقة من توازنه بين الزخم الصاعد الطويل الأمد وضغوط جني الأرباح القصيرة المدى، في وقت تزداد فيه حالة الترقب في الأسواق العالمية قبل صدور بيانات المعنويات الأميركية. ومع اقتراب الأسعار مجددًا من حاجز الأربعة آلاف دولار للأوقية، يتجدد السؤال المحوري: هل ما زال الذهب قادراً على كسر سقفه التاريخي عند 4059 دولارًا، أم أن موجة التصحيح الحالية قد تمتد مؤقتًا قبل استئناف الارتفاع؟ ومن الواضح أن الصورة الأساسية للمعدن النفيس لا تزال إيجابية على المدى المتوسط، إذ يتجه الذهب لتحقيق مكاسب أسبوعية هي الثامنة على التوالي، وهو ما يعكس ثقة المستثمرين في استدامة الطلب على الملاذات الآمنة رغم تقلبات السياسة النقدية الأميركية. وقد أظهر المشترون قدرة لافتة على الدفاع عن مستويات الدعم قرب 3946 دولارًا، مما يشير إلى أن أي تراجعات حالية لا تزال تُصنّف ضمن التصحيحات الطبيعية داخل قناة الصعود الممتدة منذ الربع الثالث من العام. تظل العوامل المحفزة لهذا الأداء الإيجابي متعددة، لكن أبرزها يكمن في المزاج العام الحذر الذي يسود الأسواق. فالإغلاق الحكومي الأميركي المستمر يزيد من حالة الضبابية المالية ويعزز الميل إلى الأصول الدفاعية. كما أن تراجع الأسهم الآسيوية وتوقف موجة ارتفاع الدولار الأميركي يمنحان الذهب متنفسًا فنيًا للتماسك وربما للعودة فوق مستوى 4000 دولار مجددًا، خصوصًا في ظل الأجواء المتوترة سياسيًا واقتصاديًا. أما بالنسبة للسياسة النقدية، فإن اللهجة الحمائمية الصادرة عن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي شكلت دعمًا إضافيًا للمعدن الأصفر. فتصريحات جون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، حول تأييده لمزيد من خفض أسعار الفائدة هذا العام، إضافة إلى تأكيد ماري دالي من سان فرانسيسكو على أن البنك يتعامل مع السياسة ضمن إطار "إدارة المخاطر"، تشير بوضوح إلى أن مرحلة التشديد النقدي اقتربت من نهايتها. وهذا بدوره يعني أن عوائد السندات الأميركية الحقيقية مرشحة لمزيد من الانخفاض، وهو عامل تقليدي يصب في مصلحة الذهب الذي لا يدر عائداً. وتزداد أهمية هذه التصريحات مع ترقب الأسواق لبيانات جامعة ميشيغان بشأن ثقة المستهلكين وتوقعات التضخم، التي تُعد مؤشراً رئيسياً لتوجهات السياسة النقدية المقبلة. فبيانات أضعف من المتوقع قد تعزز الرهان على خفض أسعار الفائدة بشكل أسرع، مما سيقوي من موقع الذهب أمام الدولار الأميركي. أما في حال جاءت القراءة أقوى من التوقعات، فقد نشهد تراجعًا مؤقتًا في الأسعار، لكنه على الأرجح سيكون محدودًا نظراً للبيئة العامة التي تميل إلى دعم الملاذات الآمنة. والعامل الآخر الذي يعزز موقف الذهب هو استمرار حالة التوتر الجيوسياسي على جبهات متعددة. ورغم الأثر الإيجابي النسبي لاتفاق وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، فإن تصاعد الهجمات الروسية على كييف وتصريحات البيت الأبيض بشأن تكثيف الضغط لإنهاء الحرب في أوكرانيا يعيدان للأذهان هشاشة الاستقرار العالمي. وفي مثل هذه الظروف، يميل المستثمرون إلى إعادة بناء مراكزهم في الأصول المحصّنة ضد التقلبات، وعلى رأسها الذهب. وتبدو أن حركة الذهب حبيسة نطاق ضيق دون مستوى 4000 دولار، وهو ما يعكس التردد الواضح بين الرغبة في استئناف الصعود من جهة، والحذر من عمليات تصحيح أوسع من جهة أخرى. لكن الملاحظ أن مؤشر القوة النسبية لا يزال بعيدًا عن مناطق التشبع الشرائي، مما يُبقي المجال مفتوحاً أمام محاولة جديدة لاختراق الحاجز النفسي وربما استهداف قمم جديدة حال صدور بيانات أميركية سلبية أو استمرار ضعف الدولار. ورغم تراجع شهية المخاطرة نسبيًا، فإن غياب عمليات البيع الكثيف يعكس قناعة متزايدة لدى المتداولين بأن احتمالات الهبوط باتت محدودة. فالمعدن النفيس يستفيد من خليط من العوامل الداعمة: تباطؤ الاقتصاد الأميركي، احتمالات خفض الفائدة، تعثر المفاوضات السياسية في واشنطن بشأن الموازنة، واستمرار توترات الجغرافيا السياسية. وهذه التوليفة تجعل أي هبوط تصحيحي فرصة شراء أكثر منه بداية لانعكاس في الاتجاه. على الجانب المقابل، لا يمكن تجاهل المخاطر قصيرة الأجل المرتبطة بتغير مفاجئ في نبرة الاحتياطي الفيدرالي أو صدور بيانات تضخم قوية، مما قد يدفع الأسواق مؤقتًا إلى إعادة تقييم احتمالات خفض الفائدة. إلا أن مثل هذا السيناريو يبدو مستبعدًا في ظل استمرار الإشارات الرسمية على تباطؤ النشاط الاقتصادي، وازدياد القلق داخل أروقة الفيدرالي من مخاطر الركود المحتمل. فيما تبدو احتمالات استمرار الاتجاه الصاعد هي الأرجح، حتى وإن شهدت الأسعار فترات من التذبذب قبل استقرار الاتجاه. فطالما ظل الذهب فوق مستويات 3920 - 3940 دولارًا، سيظل المشترون في موقع السيطرة، مدعومين بتراجع عوائد السندات وتزايد توقعات التيسير النقدي. أما اختراق واضح فوق مستوى 4000 دولار، فقد يعود سريعًا لاختبار القمة السابقة وربما تجاوزها نحو مستويات غير مسبوقة إذا ما توافقت الظروف الأساسية والفنية. في وقت يمر الذهب بمرحلة اختبار حقيقية قبل بيانات المعنويات الأميركية، لكن العوامل الكلية لا تزال تصب في مصلحته. فالمزيج بين الحذر المالي والسياسي وتوقعات خفض الفائدة وضعف الدولار يعيد التأكيد على أن المعدن النفيس لم يفقد بريقه بعد. ومع أن الطريق نحو قمم جديدة قد يتطلب بعض الصبر، إلا أن الاتجاه العام يظل صاعدًا بثقة، ليبقى الذهب الخيار المفضل للمستثمرين الباحثين عن الحماية وسط عواصف الاقتصاد والسياسة.