نحو مستهل التكهنات اللاشعورية تنبثق تساؤلات عديدة هي أشبه بمسرح صامتٍ لا حركةَ فيه؛ سوى نطق الكلمات أو نأخذه من زاوية أخرى كي تنبثق من رحلة اللاعودة، والجواب يتلاشى في لجة السؤال الكوني. فهذه العتبات من لحظات الإنسان هي لحظات وجودية ظاهرية تعبر عن نفسها أكثر ما أن يعبر عنها العقل فهي تعتمد على المرئي منها والمحسوس، وكلٌ في دائرةٍ شعورية أشبه بروحٍ عابرة في روض النسيم الهادئ. وإن قلتَ أنها رحلة زمنٍ؟ أم رحلة وجود؟ أم وجوهٍ متشابهة تؤدي أدوارها بإحكام! تعبيراتٌ ثلاثية جوهرية تسير في معترك الحياة، وكلٌ على حسب شعوره وعلى حسب اجتهاده في هذا المسرح العريض. لعلك في دهشة وحيرة من هذا المراد، ولكي نصل إلى ظاهرية الذات لا بد من عملٍ مضنٍ؛ نحو السبيل إلى إجراء آليات متعددة؛ أن نجمع الزمن مع كيانه الوجودي كي يكون هو المُحرك لظاهرية شخوصنا ويعبر عن أسئلتنا العقلية، فالسؤال تعبيرٌ أزليٌ منذ قدم تاريخ الإنسانية ويتولد مع العقل اللاشعوري أي من صميم جوهره، ومن ثم يتلألأ له الوجدان العاطفي؛ وليس الجواب العقلي بذاته. ولأن رحلة العقل شاقة فجوابه مرهق أكثر من سؤاله فقد تتعدد هذه الأجوبة والسؤال واحد، ومن هذه الرحلة ترَ الوجوه متشابهة؛ وفي صميم مثاليتها تكون واحدة. فإنسان هذا العصر يبتعد رويدًا رويدًا عن كل المثاليات الطبيعية ويتجه نحو المجهول أي يعكس مثاليته ويصنعها بنفسه، فهذا الذي شيده بيده يتلاشى أمام أي كارثة تعتريه من كوارث الزمن، فلا يستطيع صبرًا، ويرهق نفسه حتى ينتهي به المطاف إلى عودته الذاتية مستسلمًا لها، فالذي يصل إلى مكمنه يتيسر عليه معرفة حقائق الظاهريات وتجليها بكل سهولة إلى عقله. فالشوق يأتي من امتشاق الطبيعة من مهدها إلى قراءة تفاصيلها بكل وضوح حتى يتسنَ على المرء الولوج إلى فهمها فهمًا عميقًا، وذلك من أجل تبادل الأدوار بين وجود الأنا في ذاتها؛ ووجودها الخارجي أي نحو شخصانية الموقف من كل ما يدور من أحداث عامة سواء كانت من الحياة الاجتماعية الإنسانية أو من طبيعة الأشياء من حوله. فهذه كلها تعد مشاهد ظاهرية لها سكنتها ولها حركتها ولها التأثير المباشر لملامسة وجدان الإنسان كصوت العصافير مثلًا تبعث له الأشجان الشجية بموسيقاها التأملية، أو صوت الرعود وما تحمله من أهوالٍ مخيفة تزيد من توتره وقلقه. فهذه الوجدانيات هي وجدانيات خارجية عن طبيعته الذاتية، فحدثُها غير مؤثر على المدى الزمني الطويل... بعكس أحداث المجتمع البشري من حوله من سرور وأفراح أو صراعات وحروب. فالأزمات البشرية تترك له أثرًا عميقًا طويل المدى؛ يتعلق بوجود طبيعته الذاتية، ويسهل اختراق وجدانه، وتجعل جميع هذه العواطف تسكن قلبه، وهو لب المشاعر والأحاسيس، وبهذا المضمار لا تكون حريته مطلقة، وإنما محدودة ومقننة وفق الوجود الفينومينولوجي.