يُقدّم كتاب "تحول المملكة العربية السعودية: عدم اليقين والاستدامة" للدكتور تركي فيصل الرشيد الأستاذ الزائر بكلية الزراعة وعلوم الحياة والبيئة بجامعة أريزونا الأميركية تحليلًا عميقًا وشاملًا لرؤية 2030، تلك الخطة الطموحة التي تهدف إلى إعادة تشكيل المستقبل الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للمملكة العربية السعودية، مستنداً إلى مناقشات مع الناشر وجامعة كاليفورنيا، (وهي جامعة أبحاث عامة مرموقة تقع في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، الولاياتالمتحدة) بدأت في مؤتمر براغ عام 2017. يتميز الكتاب بتوازنه الدقيق بين البيانات التجريبية والأطر النظرية والأمثلة العملية، ليرسم صورة واضحة لمسيرة المملكة نحو التنويع الاقتصادي، بعيدًا عن الاعتماد على النفط، إذ يُقسّم رؤية 2030 إلى ثلاث مراحل متميزة: التأسيسية (2016-2020)، النمو (2021-2025)، والاستدامة (2026-2030)، كما يُسلط الضوء على إنجازات ملموسة، مثل تقدم المشاريع على المسار الصحيح بنسبة تتجاوز 85 %، والزيادة الكبيرة في الإيرادات غير النفطية، والمبادرات الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، مثل محطة سكاكا الشمسية. وفي المقابل، يتناول المؤلف التحديات القائمة بشفافية وصراحة تامة، مثل عدم الكفاءة البيروقراطية والتقلبات الاقتصادية العالمية، مما يعزز مصداقية التحليل ويجعله مصدراً قيمًا لفهم التحولات الجارية. ولعل أهم ما يميز هذا العمل هو حياده اللافت، كون الكتاب يحتفي بالنجاحات، مثل توسيع فرص العمل للشباب والنساء، ومبادرات التخضير مثل مشروع الرياض الخضراء، فيما يناقش بجرأة العقبات، مثل محدودية المشاركة العامة في الحوكمة وصعوبات التحول إلى اقتصاد متنوع يعتمد على السياحة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، وهذا النهج المتوازن يجعل الكتاب أداة أساسية للباحثين وصانعي السياسات والقراء العامين المهتمين بفهم ديناميكيات الإصلاح في المملكة. والكتاب يركز على رؤية 2030 كمبادرة متعددة الأبعاد، تتناول التنويع الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية، كما يُبرز الإصلاحات الاجتماعية مثل تمكين المرأة، الذي تجلى في رفع حظر القيادة وزيادة مشاركتها في القوى العاملة من 17 % إلى 36 % بين 2016 و2023. كما يسلط الضوء على المبادرة السعودية الخضراء، التي تشمل زراعة 10 مليارات شجرة وتطوير الطاقة المتجددة، مما يعكس التزام المملكة بالمسؤولية البيئية في مواجهة تغير المناخ، فيما يتناول الكتاب أيضًا تعقيدات التحول، داعيًا إلى حوكمة تكيفية للتغلب على تحديات مثل ترجمة الرؤى طويلة الأمد إلى واقع عملي. ومن الناحية النظرية، يربط الكتاب رؤية 2030 بمفاهيم الاستدامة، اللارجعة، والمرونة، فالاستدامة تضمن إدارة الموارد بمسؤولية للأجيال القادمة، بينما تؤكد اللارجعة على التغيير الدائم بعيدًا عن الاعتماد على النفط، أما المرونة فتمكّن المملكة من التكيف مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما يدمج الكتاب مبادئ الشريعة الإسلامية مع إصلاحات الحوكمة الحديثة كما في فصله الأول، مقدمًا رؤية متعمقة للتوفيق بين التقاليد والابتكار، بينما يستعرض في فصله السابع الطموحات البيئية، مفصلًا جهود الطاقة المتجددة والتنمية الحضرية المستدامة، مما يجمع بين العمق الأكاديمي والتطبيق العملي. والكتاب يتجاوز البعد الاقتصادي للرؤية ليتعمق في الأبعاد الثقافية والاجتماعية، موضحًا كيف توازن المملكة بين الحفاظ على تراثها والسعي نحو التحديث، فمبادرات مثل تحسين التعليم وتمكين الفئات المهمشة تعزز الهوية الوطنية مع دفع عجلة التقدم. أيضاً يُبرز دور المملكة في تعزيز القوة الناعمة، مثل تسهيل محادثات السلام الإقليمية، كما في محادثات وقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا، مما يعزز مكانتها كوسيط للاستقرار الإقليمي. ويستعرض الكتاب إنجازاتٍ رئيسية للرؤية، من بينها ارتفاع عدد المعتمرين من 6.2 مليون إلى 13.5 مليون ما بين 2016 و2023، مع توقعات بوصول العدد إلى 17 مليونًا بحلول 2024، وكذلك تحسُّن متوسط العمر المتوقع من 77 إلى 78 عامًا، وتوسُّع التغطية الصحية من 78 % إلى 96.4 %، بدعم من ابتكارات مثل مركز الاتصال 937 وتطبيق "صحتي". وفي مجال الإسكان، ارتفعت ملكية المنازل من 47 % إلى 60 %، مدفوعة بمبادرات ميسورة التكلفة، فيما انخفضت البطالة من 12.3 % إلى 8.6 %، مع توقعات بوصولها إلى أدنى مستوياتها تاريخياً خلال عام، بفضل التدريب المهني وسياسات دعم المرأة. ومع ذلك، تظل التحديات مثل المقاومة الثقافية والتفاوت المحلي والإقليمي قائمة، مما يتطلب استمرارية الإصلاحات. وأخيراً، الكتاب مثلما يوضح الكاتب نتاج ثماني سنوات من البحث الدقيق، مدعومًا بتأييد شخصيات بارزة، مما يعزز مكانته كمرجع موثوق وذي مصداقية عالية، كما أنه يمثل قراءة أساسية للمهتمين بالتنمية العالمية والتحولات الثقافية والابتكار المستدام، إذ بأسلوبه الجذاب والدقيق يقدم رؤى ثاقبة حول مسيرة المملكة، موازنًا بين التحليل الأكاديمي والأمثلة العملية، بما يجذب شرائح واسعة من السعوديين الذين يعيشون هذا التحول واقعاً، فضلاً عن الجمهور العالمي المهتم بالنمو والإدارة، ما يجعله جديراً بالتوصية به كمرجع لا غنى عنه لفهم رؤية 2030 وتأثيرها العالمي.