لعل هذا العنوان هو الأنسب لبعض وربما لجل ما يقدم من دراسات على أنها (نقد ثقافي)، وما هي إلا قراءات ثقافية أو محاولة نقدية أدبية تمسك بعصى النقد الذي يسوق المفردات الرنانة العتيقة في أسطر متتابعة لا تضيف أي فائدة ولا تثير فضولاً معرفياً، ولا تحدد مسارًا يمكن تتبعه، ولو أنها سارت في ركب النقد الأدبي والتزمت به وأضافت له بعض السياقات الثقافية لكانت دراسات نقدية أدبية بما يمكن معه تقييمها، وبما يدعمها بروافد ثقافية تمنحها شيئًا من جماليات النقد الثقافي دون أن تنسب إليه. ربما هذا الرأي يحتاج إلى كثير من التأني قبل أن يصبح في خانة الحكم، فحالة الاندفاع إلى ساحة النقد الثقافي مبررة بغواية الافتتان بمصطلح الثقافة وما يحمله من طاقة متجددة تمنحه حالة جذب متصاعد، فعناصر الثقافة مادة دسمة، ومساحة واسعة لاستعراض الناقد المفتون بفرد عضلات مفرداته التي كانت تتناسب مع مرحلة كان الناقد هو الهم الأكبر في نفس المبدع، وكانت كلماته المحدبة والمقعرة مرآة تعكس النص وتحدد طبيعة صورته التي تصل إلى جمهور غفير آمن بأهمية مرايا الناقد مهما كان مستوى عكسها للصورة الإبداعية، وهذا لا يمنع من أن كل قراءة نقدية تدخل غالبا ضمن أحد مستويات النقد الثقافي، والتي أرى أنها ثلاثة مستويات، المستوى الذي يتعامل مع النسق والسياق في إطار ثقافي يستدعي رؤية ثقافية ومنظورا نقديا أدبيا في مكانه المناسب دون الإبانة عن منهج أو نظرية، والمستوى الذي يوظف نظرية أو أكثر بشكل محدد في العمل الخاضع للقراءة النقدية، والمستوى الثالث الذي يجمع بين المنهج والنظرية بشكل دقيق، وهذا المستوى هو الأنسب في الدراسات الأكاديمية مع الأخذ بعين الاعتبار أن المنهج والنظرية أساسيان في حالة النقد الثقافي، ولكنهما يأتيان وفق طبيعة التعاطي النقدي بشكل صريح أو ضمني محكومين بمتطلبات وطبيعة كل مستوى. هذه النظرة التي تبدو غير متفائلة هي في حقيقتها ليست كذلك، وإنما هي حالة تستدعيها ضبابية حالة النقد الثقافي بما يشبه الوقفة مع الذات من أجل لفت نظر المهتمين بالنقد أدبيه وثقافيه؛ إلى أن هناك مساحة فارغة تحتاج إلى ملئها بما يدعم مساعي المهتمين من أجل نقد ثقافي عالي القيمة، ولو أردنا أن نعرض نماذج لنقد ثقافي، فيمكن القول إن للدكتورة موج يوسف كتابات نقدية ذات طابع نقد ثقافي جدير بالإشادة والاهتمام. كما أن للدكتور عبدالله بن أحمد الفيفي أطروحاته النقدية التي تمزج بين النقد الأدبي والنقد الثقافي، ولا تخلو من معطيات مدارس نقدية متعددة يدعمها تمكنه اللافت من أدواته النقدية، ورسوخ علميته، وقدرته على توظيف خبراته فيما يقدمه من كتابات ومؤلفات.